بعد أن دخلت جيوش ألمانيا النازية باريس وفرضت حكومة بيتان علي الفرنسيين ارتفع صوت الجنرال ديجول من إذاعة لندن يدعو أبناء شعبه إلي التماسك وإلي مقاومة الاحتلال وقاد ديجول عمليات المقاومة حتي استردت فرنسا استقلالها وانتخب ديجول في 1945 بالإجماع رئيسا للحكومة المؤقتة ثم اعتزل الحياة السياسية وتفرغ لكتابة مذكراته وفي ابريل 1958 كانت الحياة السياسية الفرنسية تعاني تشرذما هائلا وتهددت البلاد بانقلاب عسكري يقوده كبار الضباط الرافضين لعروبة الجزائر. وفي ديسمبر من العام نفسه انتخب ديجول رئيسا للجمهورية بأغلبية كاسحة. وفي 1968 دعا ديجول الشعب الفرنسي الي استفتاء علي مسودة اصلاحات وأعلن انه سيستقيل من منصبه إذا لم يوافق الشعب علي تلك الاصلاحات وجري الاستفتاء في العام نفسه وسقطت الاقتراحات بأغلبية ضعيفة لكن ديجول أعلن استقالته في اليوم التالي. وعند قيام الحرب العالمية الثانية تولي ونستون تشرشل رئاسة الوزارة البريطانية ورفع اصبعيه بشعار النصر الذي صار جزءا من أدبيات المقاومة في العالم ووعد مواطنيه بالمزيد من العرق والدم والصبر حتي يتحقق لهم الانتصار علي النازية وفي 1945 غاب كابوس النازية في العالم وسجل تشرشل اسمه كأهم الزعماء في التاريخ الحديث لبلاده لكنه ما لبث أن تنحي عن الحكم بعد سقوط حزب المحافظين في الانتخابات وتولي زعيم حزب العمال المنافس كليمنت أتلي رئاسة الوزارة الجديدة. المعني الذي نتعرف إليه من خلال هذين المثلين ان كرسي الحكم رهن إرادة الشعب لا قيمة هنا لما يكون الحاكم قد أسداه لشعبه من اسهامات عظيمة الإرادة الشعبية هي الفيصل وهي التي تتيح للحاكم أن يظل في موضع القيادة أو يغادر الحكم. العكس هو ما نراه في وطننا العربي منذ مطالع العام. أسرف زين العابدين بن علي في المزاوجة بين قتل أبناء شعبه وتقديم وعود يلغيها الفساد الذي صار سمة لحكمه ولم تكتف الطبقة الحاكمة في مصر بجز صوف الشاه لكنها تعمدت سلخها واستقبلت السجون أعوان مبارك. بينما لجأ هو إلي الاكتئاب مرضا يعصمه من السجن. علي عبدالله صالح ومعمر القذافي وبشار الأسد رفضوا الامتثال لإرادة شعوبهم رفض صالح التنحي في اليوم المحدد لتوقيعه علي مذكرة بهذا المعني وأعلن القذافي انه قدر الليبيين ووعدهم بالقتل والتدمير وهو ما يحدث بالفعل منذ بضعة أشهر. بينما الرجل يلعب الشطرنج أمام المصورين ويطلب حجز تذاكر مباريات كرة القدم في كأس العالم القادمة. أما بشار الأسد وهو مجرد واجهة لعنصرية دينية وحزبية فقد ضرب أبناء شعبه بالمدافع والطائرات لمجرد انهم تظاهروا مطالبين بالحرية. كم تحدث حكامنا عن الديمقراطية ويبدو ان تطبيقاتهم لها تختلف عن الشعارات المعلنة. الحاكم يري في كرسي الحكم حقا تاريخيا يصر علي التمسك به فضلا عن توريث أحد أبنائه. ذلك ما فعله حافظ الأسد وما كان يعده بن علي لزوجته ومبارك والقذافي لواحد من أبنائهما. لكن الديمقراطية طريقها واحدة وهي طريق انتصار الشعب العربي في تعدد أقطاره وانتزاعه الربيع من شتاء طويل لا يريد حكامه أن ينتهي.