ذهبت الوفود الشعبية والرسمية إلي العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في محاولة لاحتواء مشكلة مياه النيل التي تهدد حياة شعب مصر. والتفاهم مع المسئولين في أديس أبابا بالحسني حفاظاً علي تاريخ مشترك كدولتين أفريقيتين شقيقتين أرتوي شعباهما من مياه هذا النهر العظيم. ووقتها أبدي الجانب الأثيوبي تفهماً لمخاوف مصر من المشروعات التي تنوي أثيوبيا إقامتها علي النهر وفي مقدمتها سد الألفية أو سد النهضة وتعهد ميليس زيناوي رئيس الوزراء للدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر أثناء زيارته لأديس أبابا في الشهر الماضي بعدم الشروع في بناء السد إلا بعد انتهاء اللجنة الفنية المشتركة من أعمالها لتقييم الآثار المترتبة علي بنائه خاصة علي الأمن المائي المصري والسوداني. هذه اللجنة المشتركة لم تبدأ عملها بعد.. لكننا فوجئنا بإعلان الحكومة الأثيوبية أمس الأول عن توقيع عقد بناء السد مع شركة "ساليني كوستروري" الإيطالية بقيمة تقترب من خمسة مليارات دولار علي الرغم من استمرار معارضة مصر والسودان!! فهل كانت أثيوبيا تخدر أعصابنا بوعودها لنا وحفاوتها باستقبال الوفود الرسمية والشعبية التي ذهبت إليها بحسن نية للتواصل بين الجانبين وبدء محادثات يتم من خلالها الحفاظ علي مصالح الجانبين؟! هل تعتبرنا أثيوبيا أناساً سذجاً يمكن خداعنا بمعسول الكلام وحسن الاستقبال وإقامة الحفلات علي شرف وفودنا؟! هل هذا مفهوم المسئولين الأثيوبيين عن الشعب المصري وعن تفكيره وامكاناته وما يمكن أن تؤدي إليه ردود أفعاله؟! لقد أعلنت الشركة الإيطالية التي تعاقدت لبناء السد المواصفات الفنية الابتدائية له. فحددت ارتفاعه ب 145 متراً وطوله ب 1800 متر.. مع إنشاء قناتين علي جانبيه لتصريف المياه الزائدة عن قدرة بحيرة التخزين.. وتبلغ الطاقة التخزينية له 63 مليار متر مكعب من المياه. وهو ما يعادل كمية المياه المتدفقة إلي مصر والسودان سنوياً من الهضبة الاستوائية. الوضع إذن أصبح خطيراً.. ويستدعي سرعة التحرك في كل الاتجاهات لاستدراك ما يمكن أن يقع علي مصر والسودان من أضرار. علينا أن نأخذ الأمر بالجدية الكافية واللازمة.. والأمر يستدعي تشكيل لجنة استراتيجية عليا تضم خبراء علي أعلي مستوي في كل المجالات بما فيها خبراء عسكريون وسياسيون واقتصاديون وقانونيون تدرس كل الاحتمالات الممكنة وكيفية مواجهتها بما يحفظ للمصريين حياتهم وعدم تعرضهم للعطش أرضاً وشعباً وثروة حيوانية. لا نريد أن نؤخذ علي غرة ونفاجأ بأن الأمر أصبح خارج ايدينا وقدراتنا. ولا نريد أن نكرر غفلة النظام السابق الذي انشغل حكامه ورموزه بتكوين الثروات وترك الشعب يواجه مصيراً محتوماً بحرمانه من مياه النيل. وعلي الشقيقة أثيوبيا أن تدرك أو تضع في اعتبارها أن الاعتداء علي حقوق مصر في مياه النيل يفتح الباب لكل الاحتمالات. فالموت دفاعاً عن النفس وعن الحقوق التاريخية شرف إذا ما قيس بالموت عطشاً.