نتشرت علي مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة دعوات من قبل بعض الفتيات تدعو فيها الشباب للزواج مثني وثلاث ورباع للقضاء علي مشكلة العنوسة وابدين استعدادهن لقبول "ضرة" في المنزل علي البقاء دون زواج.. في الوقت الذي يشير فيه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في إحصائية نشرت مؤخرا إلي انخفاض حالات الزواج بنحو 1.4 بالمئة وارتفاع حالات الطلاق في مصر بنحو 4.7 بالمئة خلال عام 2013. ناقشنا قضية تعدد الزوجات مع العلماء وما هي شروط التعدد في ميزان الشريعة وهل يعتبر حقا مطلقا للرجل ؟. يري د. عبد الفتاح إدريس أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن الموروث الثقافي والاجتماعي ألقي بظلاله الكثيفة علي أفئدة الناس وعقولهم ردحا كبيرا من الزمن هو سبب ما نعانيه اليوم في كثير من أنماط حياتنا الاجتماعية.. ومن بين هذا الموروث الإصرار علي شروط معينة فيمن تختار زوجاً أو يختار زوجة له وهذه الاختيارات والشروط بعيدة كل البعد عن منهج الإسلام لأن الإسلام لم يشترط إلا الدين فيمن يريد الزواج أو من يراد الزواج بها.. فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".. واشترط فيما يختار زوجة أن تكون متدينة فقد قال عليه الصلاة والسلام "فاظفر بذات الدين تربت يداك".. ولكن القوم تنكبوا علي هذا الهدي الإلهي فكانت النتيجة زيادة نسبة العنوسة بين الفتيات وتقدم سن الزواج إلي ما بعد الثلاثين في حق الذكور وهذا أمر غير محمود وقد نجم عن ذلك مفاسد ليست خافية علي أحد. يؤكد د. إدريس أن الحل ليس في تعدد الزوجات.. فإذا كان الشاب عاجزا عن الزواج بواحدة فكيف يستطيع الزواج بأكثر من واحدة إلا أن تكون العلاقة بينه وبين زوجاته - إذا أقدم علي ذلك - علاقة قضاء الوطر وهي علاقة حيوانية من أولها إلي آخرها لا تحقق مقصود الشرع من النكاح. وإذا نظرنا إلي شروط التعدد كما وردت في نصوص الشرع فإن من بين هذه الشروط القدرة علي مؤن النكاح وأن يكون الرجل لديه القدرة علي الإنفاق علي الذرية من الزوجات المتعددات وقادرا علي العدل المادي بين زوجاته وأن يتيقن من نفسه أنه لا يظلم زوجة منهن علي حساب الأخري. أكد أنه لا يوجد أحد في زماننا تنطبق عليه هذه الشروط ولذلك نجد أن فكرة التعدد في حد ذاتها في زماننا هذا ضرب من الخيال لا يقبل عليه إلا أرعن جاهل غر أحمق. ولكي نتغلب علي العنوسة قال د. إدريس إنه لا ينبغي أن ننظر إلي العلاقة الزوجية علي أنها صفقة تجارية لأن الله أراد لها أن تكون سكنا ومودة وصهرا ورحمة ولهذا يقول الحق سبحانه "ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة". وقد عبر الله عن هذه العلاقة أنها آية أي نعمة كبيرة من نعم الله تعالي علي الخلق ولكن الناس تركوا هذه النعمة ليبحثوا من ورائها عن الصفقات المادية ولهذا صار الزواج في زماننا هذا أكثره صفقات وهذا بعيد كل البعد عن غاية الشارع من هذه العلاقة الإنسانية. دعوة متطرفة الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر تؤكد أن هذه الدعاوي يطلقها المتطرفون والمتشددون في الرأي لأنهم يعتقدون أن التعدد هو الأصل في الإسلام ونسوا أن الإسلام كرم المرأة ومنحها كل حقوقها.. وهذه الدعاوي الخبيثة فيها امتهان لكرامتها فكيف تقبل البنت علي نفسها أن تتزوج من رجل متزوج ولديه أطفال وهي الآن وصلت لمناصب عليا ووصلت من الفكر لأكبر قدر من الثقافة وتحمل المسئولية. أضافت د. نصير أن مسألة العنوسة لها أسباب أبعد من ذلك في مقدمتها أن أهل الفتاة يغالون فيمن يتقدم لابنتهم وكأنها صفقة تجارية تحت مفهوم "ابنتنا وتعبنا فيها" ويشترطون شبكة بالآلاف وشقة بمئات الآلاف وجهازاً وأثاثاً وأدوات كهربائية مما يقف الشاب معه عاجزا عن تحقيق كل هذا فيفضل أن يعيش أعزب وعانسا. كما أن الدولة مسئولة عن استفحال ظاهرة العنوسة فكيف يستطيع الشاب الزواج وهو عاطل وبدون عمل أو يعمل وليس معه ما يشتري به شقة ومستلزمات الزواج. أكدت أن الحل يكمن في تيسير المهور والرضاء بمسكن زوجية بسيط مثلما يفعل الغرب فلو التزمنا بالبساطة سوف يعيش الزوجان حياة سعيدة مستقرة.. أما إذا تطلع أهل الفتاة إلي أكثر من ذلك سوف تكون النتيجة عكسية. أشارت إلي أن التعدد سوف يعقد الأمور أكثر مما هي معقدة.. وعلي أصحاب العقول المتطرفة ألا يعتبرون الزواج وكأنه أوكازيون يشترون الفتاة بسعر زهيد تحت مفهوم أنه يتستر عليها ويتزوجها ثم تكتشف أنها خادمة لزوجاته الأخريات. قالت د. آمنة: إن هذه الفكرة أو الدعوة إليها علي المواقع الإلكترونية فيها بلاهة وأنانية وعدم احترام للمرأة وإهانة لكرامتها.. وحذرت أي فتاة أن تقبل بهذا الأمر لأنها سوف تجد نفسها أمام مجموعة ضرائر وأشقاء أعداء فالشرع عندما أباح تعدد الزوجات أباحه بضوابط وشروط لا تتوافر في رجال وشباب هذه الأيام. أسباب متعددة د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث تري أن زيادة معدلات العنوسة بين الشباب ترجع إلي عدة أسباب منها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي وغيرها.. وكل فتاة تعلم أنه كلما ارتفع سنها قلت فرصتها علي الإنجاب لذلك نجد أن الكثير من الفتيات يقبلن بفكرة أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة هروبا من شبح العنوسة واضعة المثل الشعبي "ظل رجل ولا ظل حيطة" أمام عينيها بشرط أن يكون لدي الزوج القدرة علي الإنقاق بشكل جيد علي الأسرتين. أشارت إلي أنه إذا كان الشرع قد أباح التعدد للزوج فإنما أباحه بشروط وضوابط كالعدل بين الزوجات أو لاحتياج معين كمرض الزوجة مرضا لا شفاء منه أو عقمها وغيرها من الشروط.. وإذا كان القانون قد أقره فقد اشترط رضا الزوجة الأولي ويجوز لها اللجوء للقضاء وطلب الطلاق في حالة إثبات الضرر من الزواج الثاني كما أجاز للزوجة وضع شرط عدم زواج الرجل بأخري طوال فترة زواجهما.. أما من الناحية الاجتماعية فإن الزواج بأخري لابد أن يتم عن تراض بين الزوجين لأن التعدد عادة ما يسبب مشاكل أسرية كبيرة يدفع ثمنها الأبناء والمجتمع بأكمله فالأغلب الأعم من الزوجات لا يقبلن بالزواج الثاني لأنها لا تريد أن تعيش مع نصف رجل فعدو المرأة امرأة أخري كما أنه مهما حاول الإنسان العدل فإنه لن يستطيع لأن مجرد الزواج بأخري يعد ظلما للأولي.. مشيرا إلي أنه لهذا السبب فإن معظم الزيجات الثانية تتم في السر وقد تكون غير مشهرة وهو ما يدمر المنزل والمجتمع. والحل يكمن في إتاحة فرص عمل مقبولة للشباب وإقامة مشروعات صغيرة لهم تساعدهم علي تحسين دخولهم وتوفير شقق لهم بالتقسيط المريح وعلي الدولة ومؤسسات المجتمع المدني إنشاء صناديق اجتماعية تساعد الشباب في تحمل نفقات الزواج.