ما حدث في مدارسنا خلال الاسابيع القليلة الماضية وتحولها إلي أماكن لارتكاب حوادث الاغتصاب وهتك العرض والقتل وفرض الاتاوات.. هذه الحوادث تدق ناقوس الخطر والانذار بما وصلت إليه المدارس من انحدار وتؤكد علي ضرورة التحرك بسرعة لمواجهة هذه الظواهر الخطيرة. قائمة الجرائم والحوادث الخطيرة التي وقعت في المدارس سواء الابتدائية أو الاعدادية أو الثانوية والتجاري والصناعي طويلة وممتدة ولكننا هنا نكتفي ببعض النماذج.. في احدي مدارس منطقة البصراوي الابتدائية بإمبابة قام أحد المدرسين باغتصاب تلميذة طفلة وفي إحدي المدارس الصناعية بالمنيا قام طالب بقتل مدرس اللغة الانجليزية لانه منعه من الغش في الاختبارات الشهرية من زميل له. وفي الاسكندرية قام أحد طلاب الثانوي العام وتحديداً في إحدي مدارس المنتزة بقتل زميله بمطواه في فناء المدرسة لخلاف بينهما علي معاكسة فتاه.. وفي إحدي المدارس الاعدادية بدمنهور بالبحيرة تم ضبط مدرس يتقاضي اتاوات من التلاميذ لمساعدتهم علي النجاح.. وفي بني سويف وفي مدرسة تجارية قامت معلمتان بهتك عرض طالبتين وتجريدهما من ملابسهما تماماً بحجة البحث عن 40 جنيهاً فقدت منهما. "المساء الأسبوعية" تناقش القضية الخطيرة مع خبراء التربية واساتذة الاجتماع لتحديد الخطر وأسبابه وطرق التصدي له فماذا قالوا؟ * د. مجدي مسيحة الاستاذ بالمركز القومي للبحوث التربوية يقول: رغم اعترافه بوجود الكثير من الحالات إلا أنه لا يعتبرها ظاهرة يمكن تعميمها علي كل المدارس خاصة إذا تم مقارنتها باعداد المدارس والطلاب والمدرسين لكنه في نفس الوقت يرجع السبب وراء الحالات التي حدثت إلي غياب الرقابة الداخلية في المدارس أو الرقابة علي مستوي الاقليم من المحافظ أو المجالس المحلية خاصة واننا نتحدث ونطالب كثيراً باللامركزية في الادارة دون أن نتحمل تبعات هذا الأمر. أضاف: لا يمكن أن نلقي بالمسئولية كاملة علي الوزارة ووزير التربية والتعليم الذي قام بجهد لا ينكر في تطهير الوزارة من العناصر الإخوانية وليس مطلوباً أو ممكناً ان يراقب العمل في كل مدرسة حتي في القري والمدن الصغيرة ولكنه مسئول عن وضع الخطط العامة والسياسات المستقبلية أما المسئولية المباشرة فتقع علي الادارات التعليمية وادارات المدارس أي الرقابة الداخلية الذي يجب أن يؤدي فيها كل شخص ما عليه من واجبات ومسئوليات فساعتها سوف تختفي الكثير من السلبيات. أوضح أن هذه الحوادث لا يمكن أن تصدر عن أشخاص طبيعيين أو أسوياء لكنها حوادث تصدر عن شخص يعاني من خلل نفسي ما مع الوضع في الاعتبار ان المدرسة جزء لا يتجزأ من المجتمع وتتأثر سلباً أو ايجاباً بكل ما يحدث فيه من وقائع. أشار إلي أنه بجانب الاصلاح السلوكي للانحرافات من البداية قبل ان تستغل يجب أن يكون هناك ممارسة حقيقية للرقابة الداخلية بالمدارس ولجان المراقبة التي تخرج من الوزارة والأهم أن يكون هناك تطبيق صارم وحازم للقرارات الوزارية الموجودة الخاصة بعقاب أي طالب أو معلم يخرج عن التقاليد والاعراف التعليمية لان ذلك سيمثل العقاب الذي يجب أن يناله المخطئ وفي نفس الوقت ردعاً للاخرين عندما يعلمون ان من يخطئ ينال عقابه. * د. رسمي عبدالملك رستم استاذ الادارة والتخطيط التربوي بالمركز القومي للبحوث التربوية يرصد الظاهرة من منظور محدد وهي أنها لا تعبر عن خلل في المنظومة التعليمية بقدر ما تؤكد ان المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير انطلقت فيه مفاهيم البلطجة والعنف والتسيب والانحرافات فجأة وبشكل غير مسبوق ونحن لم نهيئ انفسنا للتعامل معها واستقبالا وبالتالي أثرت علي المصريين ككل والطالب والمدرس هنا جزء لا يتجزأ من المجتمع فالمدرسة لا يمكن أن تنفصل عنه. أضاف ان المدرسة التي تمثل المجتمع الصغير انتفت منها القيم والمثل العليا بشكل غير مسبوق مثلما حدث في المجتمع وبالتالي أصبحنا نري في المدرسة كل صور التسيب وعدم احترام السلطة وأنا هنا لا أقصد بالسلطة القهر والاجبار ولكن التوجيه والادارة الحازمة حيث إننا كبشر في حاجة واحتياج داخلي دائم إلي السلطة والتوجيه سواء صغار من الاباء والامهات وفي المدارس والجامعات من الاستاذ وفي محل العمل من المسئولين عن ادارته فهذه السلطة هي الضابطة التي تنظم المجتمع. أوضح أنه تزامن مع ذلك ان المدرسة فقدت سلطاتها في عقاب التلاميذ فلم يعد هناك أي تقدير لاعمال السنه وحسن السير والسلوك فكل الطلاب متساوون وبالتالي لم يعد هناك الحافز للانضباط والالتزام. أكد أنه رغم أن هذه الانحرافات متوقعة في ظل ما نعيشه من حالة انفلات علي كل المستويات إلا أننا يجب الا نقف مكتوفي الايدي والبداية هي التنفيذ الجيد والمنضبط للقوانين بحيث تكون دافعاً للالتزام سواء من جانب الطالب أو المعلم ولذلك علي الادارات التعليمية والمدارس أن تقوم بالاصلاح بقدر ما تستطيع من خلال ما منحه لها القانون من سلطات وان يكون هناك دور حقيقي لمجالس الاباء والمعلمين بحيث تنشط وتمارس دورها في اصلاح المنظومة التعليمية ومواجهة الانحرافات. * صلاح مدني وكيل أول وزارة التربية والتعليم سابقاً يصف ما يحدث بالمدارس بأنه انحدار اخلاقي واضح وصورة مصغرة لما يحدث في المجتمع وفي العديد من المؤسسات حتي الرياضية مثل النوادي وروابط المشجعين التي تمارس العنف بصورة غير مسبوقة والسبب وراء ذلك يعود إلي أننا طوال العقود الماضية لم نهتم بالتربية والتنشئة السليمة داخل الأسرة وما يحدث الان سواء من الطالب أو المدرس هو نتاج طبيعي لما زرعناه بانفسنا. أضاف لقد أصبحنا نعاني الآن من غياب القدوة الحسنة فالأم لا توجه بناتها والأب لا يقوم بارشاد ابنه بل ان هناك بعض الآباء الذين يتقاسمون علية السجائر مع أولادهم فماذا ننتظر من أجيال تربت بهذا المستوي سواء طلاب أو مدرسون وفسدوا نتيجة فساد جيل بأكمله. أوضح أن الدولة فقدت قبضتها الحديدية وهناك تراخ في عقاب من يخطئ وبالتالي فهذا يشجع الأخرين علي ارتكاب نفس الفعل وهنا تحضرني تجربة مترو الانفاق في بداية تشغيله حيث كان قمة في الانضباط لأنه كان هناك عقاباً للمخطئ وعندما تراجع العقاب أصبحنا نري فيه كل الصور السلبية. أكد أن العلاج يتطلب أن يكون هناك اهتمام بعنصرين اساسيين الأول التقويم التربوي من خلال عودة مادة الاخلاق إلي المدارس بجانب مادة الدين حتي نزرع في نفوس الصغار من البداية القيم الايجابية والعنصر الثاني مجتمعي وتتحمل جزء منه المنابر الدينية التي يجب أن تبتعد عن الحديث في السياسة وتمارس دورها الحقيقي في اصلاح الاخلاق وأن تتم إعادة درجات السلوك في المدارس بحيث يحرص الطالب علي الالتزام والأهم تتحمله الدولة وهو العبء الأكبر الذي يتمثل في إعادة الانضباط إلي الشارع وعندما تحدث جريمة يكون هناك عقاب رادع حتي تفرض الدولة هيبتها. * د. محمد المفتي عميد تربية عين شمس سابقاً: يرجع هذه الظواهر إلي أكثر من سبب تبدأ بالتربية الأسرية أو النشأة فعندها يتربي الطفل في بيئة غير صالحة تتكون لدية مجموعة من السلوكيات غير المرغوب فيها وعندما يذهب إلي المدرسة وهي أول مكان يتعامل معه بعد المنزل ولا يتم علاج هذه الانحرافات السلوكية فإنه يجد المناخ الذي يزيده انحرافاً ومن ثم يبدأ في ارتكاب جرائمه. أضاف أن المؤسسة التعليمية لم تعد تمارس دورها في التربية وعلاج السلوكيات المرفوضة وكذلك الدولة تتغاضي عن تطبيق الضوابط والقوانين سواء علي الحدث أو البالغ لمنعه من ممارسة السلوكيات المنحرفة. أضاف: يوجد عوامل مساعدة أدت لتفشي هذه السلوكيات مثل أفلام ومسلسلات العنف التي تظهر المجرم في شكل الشخص خفيف الظل مما يجعل الشباب والنشئ يتوحد مع هذه الشخصية ويقلدها بالإضافة إلي ان المدارس لا يوجد بها برامج للإرشاد والتوجيه النفسي أو اخصائيين وحتي لو وجدوا فدورهم محدود للغاية. أوضح ان المدرس المنحرف يكون نتاجاً طبيعياً للبيئة غير الصالحة ولا يجد من المدرسة الرقابة والمتابعة وعندما يسلك سلوكاً منحرفاً نجد من يختلق له الاعذار بحجة "مش عايزين فضايح" أو "ربنا أمر بالستر" ومن ثم يزداد انحرافه. أوضح أن العلاج يحتاج حزمة من الاجراءات تتمثل في وجود برامج في الاعلام للتربية الأسرية لارشاد الاباء وأن يكون في المدارس متخصصين في النواحي النفسية والانحرافات السلوكية لارشاد وعلاج الطالب والمعلم المنحرف ومتابعة تصرفاتهم وأن يكون هناك أولاً واخيراً قوانين رادعة. * د. عبدالرءوف الضبع استاذ علم الاجتماع ووكيل آداب سوهاج سابقاً قال: لا نستطيع أن نتعامل مع ما يحدث في المدارس بمعزل عن الانفلات الذي حدث في المجتمع علي كافة المستويات بعد ثورة 25 يناير وهذا شئ متوقع وتحدث عنه مفكري علم الاجتماع وعلي رأسهم أميل دور كايم الذي تحدث عن المجتمعات بعد الثورات حيث تمر بمرحلة ما يطلق عليه "الانومي" أو فقدان المعايير وهذا ما نراه في كل مؤسسات الدولة. أضاف أن السلطة المسئولة عن تطبيق هذه المعايير مشغولة الآن بتثبيت هذه السلطة التي هي في الاساس منهكة ولديها الكثير من المهام التي تفوق امكانياتها. توقع رغم تكرار هذه الظواهر المنحرفة سواء في المدارس أو قطاعات عديدة من المجتمع أن تختفي بمرور الوقت ولكن هذا مرهون بان تتعافي الدولة وسلطاتها والا تسمح باي خروج علي القانون لأن فشلها في ذلك يعني استفحال كل الظواهر الاجتماعية السلبية والخطيرة. أكد ضرورة ان تمارس كل مؤسسة تعليمية سلطتها في تحقيق الانضباط في مواجهة أي انحرافات وان تكون هناك جزاءات رادعة حتي يرتدع الجميع وأعتقد ان قرار منع الطالب المفصول من المدارس أو الجامعات من القيد في أي مؤسسة تعليمية أخري حتي لو كانت خاصة سوف يؤدي إلي تراجع الكثير من الظواهر السلبية.