قرأ الملك فاروق التصريحات التي أدلي بها انتوني أيدن وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم في فبراير سنة 1943 والتي أكد فيها دعوته إلي البلاد العربية لتقوية وحدتهم الثقافية والاقتصادية والسياسية.. وقرر الملك فاروق أن ينتهز فرصة هذه الدعوة وبادر بإيفاد مجموعة من المسئولين السابقين إلي بعض الدول العربية لاستطلاع رأيهم في إنشاء اتحاد أو تجمع عربي.. وكان ذلك في أوائل مارس سنة ..1943 وتصادف أن جاء إلي مصر أحد رؤساء الوزارات السابقين في العراق ومعه وزير الداخلية العراقي لبحث زيارة ملك العراق وانتهز النحاس باشا رئيس الوزراء هذه الفرصة وتحدث معهما علي عقد مؤتمر تمهيدي للنظر في مشروع هذا الاتحاد واصر مصطفي النحاس أن تكون المحادثات علي أسس رسمية أي بين الحكومات.. وأكد النحاس هذا الكلام في البرلمان.. وقد قرر النحاس ذلك لأنه يري في إيفاد الملك لبعض الشخصيات غير الرسمية إلي البلاد العربية خطأ لأن الملك لم يخطر لا رئيس الوزراء ولا أي مسئول حكومي.. وأراد النحاس أن يسحب البساط من تحت قدمي الملك وظل يجري الاتصالات مع ممثلي البلاد العربية الذين يأتون إلي مصر.. وعندما زار النحاس مدينة القدس.. اطلقت عليه صحف الوفد في مصر أنه زعيم القضية العربية.. وأثارت تحركات مصطفي النحاس حفيظة الملك فاروق حتي أنه تكلم مع الملك عبدالعزيز ملك السعودية علي تأجيل المشاورات فقد كان يفكر في أبريل سنة 1944 في عزل النحاس باشا حيث يأمل في أن يتم إنشاء الجامعة العربية علي يد رئيس وزراء يرضي عنه القصر!!.. وفي 20 أغسطس سنة 1944 دعا النحاس باشا ممثلي الدول العربية إلي اجتماع.. وحدث أن تباطأت السعودية في ارسال مندوبها بينما خرج نوري السعيد رئيس وزراء العراق بمشروع الهلال الخصيب الذي يضم سوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين.. ولكن مصر اعترضت.. وقام هذا المشروع.. وكان النحاس باشا منطلقا نحو توقيع بروتوكول إنشاء الجامعة والملك فاروق يدبر لإقالته.. وفي يوم 7 أكتوبر سنة 1944 وجه النحاس باشا الدعوة لكبار الشخصيات لحضور توقيع بروتوكول إنشاء الجامعة.. ويقول حسن يوسف وكيل ديوان الملك في كتابه "القصر".. إن الملك سلمه كتاب إقالة النحاس.. المهم أن حسن يوسف حضر مأدبة الغداء.. وبعدها سلم النحاس باشا خطاب إقالته من الوزارة.. وكان ذلك يوم 8 أكتوبر ..1944 ونشط الملك فاروق في اتمام باقي إجراءات إنشاء الجامعة العربية.. فذهب في شهر يناير 45 إلي السعودية لاقناع الملك عبدالعزيز للانضمام لبروتوكول الجامعة. واصطحب معه في رحلته ناظر الخاصة الملكية ومدير الإدارة العربية بالديوان وعبدالرحمن عزام.. أمين الجامعة.. ولكن أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء اعترض علي هذه السفرية لأنها عمل سياسي وأنها من شئون الدولة.. واعترض أيضا النقراشي باشا وزير الخارجية علي أنه لم يمثل في هذه الرحلة وقال عبدالحميد بدوي باشا كبير المستشارين إن الملك أصدر أمراً بتعيين عبدالرحمن عزام وزيراً مفوضا للشئون العربية وسفره مع الملك يعتبر تمثيلاً كافيا للحكومة.. ولكن النقراشي باشا استمر في اعتراضه علي أن هذا التعيين تم بدون أن يعلم.. ومهما كانت الاعتراضات فإن كل الدول العربية وقعت علي الميثاق وعقد أول مؤتمر للقمة العربية في مايو سنة ..1946 والطريف أن الملك عبدالله ملك الأردن في ذلك الوقت حاول أن يؤجل الموافقة علي قرارات المؤتمر بحجة أن الوقت تجاوز منتصف الليل وانسحب إلي جناحه إلا أن الملك فاروق لحق به وانتزع منه التوقيع علي أول بيان للقمة العربية.. وهكذا استمرت الجامعة العربية وتعاقب علي أمانتها منذ انشئت وحتي الآن سبعة أمناء من المصريين وأمين واحد من تونس.. وكان يمكن للجامعة العربية أن تحقق لأبناء العرب أحلامهم في وحدة عربية حقيقية.. وأن تقف دائما حائط صد ضد أعداء الأمة العربية.. ولكن دائما كانت في موقف المتفرج.. وفي أزمة الصراع الليبي الأخيرة وقفت الجامعة بجانب الشعب الليبي ضد حكومته.. وبالتالي انسحبت ليبيا من الجامعة حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.. وليت الجامعة تحقق رغبة انتوني أيدن وزير خارجية بريطانيا في سنة ..1943 بوحدة ثقافية اقتصادية سياسية بين البلاد العربية.