استبشر المصريون خيراً باللقاءات التي بدأ شيخ الأزهر د.أحمد الطيب بعقدها مع مختلف الجماعات والتيارات الدينية التي تنشط بين الناس.. وأدركوا منذ اللحظة الأولي أن هذه اللقاءات تستهدف جذب الجماعات والتيارات الي منطقة الاعتدال الديني والفكري التي يمثلها الأزهر الشريف.. أملاً في أن يعود الأزهر مرجعاً للجميع.. ولا تترك الجماعات تنشط وتتمدد في الفضاء الديني بلا ضابط فتظل شاردة.. وتزداد اتجاهاً نحو التعصب والتطرف. هذا ما وصل إلينا مما نشرته الصحف وأذاعته القنوات التليفزيونية قبل وبعد لقاءات شيخ الأزهر مع مرشد الإخوان المسلمين ورفاقه ثم مع الشيخ محمد حسان أحد أقطاب السلفيين.. وقد ذكر شيخ الأزهر عقب لقائه مع المرشد أن هناك قواسم مشتركة بين الأزهر وجماعة الإخوان وسوف يكون هناك تعاون بيننا في هذه القواسم التي تمثل ثوابت الإسلام.. وعقب لقائه مع الشيخ حسان قال شيخ الأزهر إن المنهج السلفي يرفض الاعتداء علي الكنائس ونبحث التصدي بكل حزم لمحاولات الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين ومواجهة المخاطر التي تريد نشرها الأيادي الخارجية. ولاشك أن لقاءات شيخ الأزهر مع الجماعات والتيارات علي اختلاف توجهاتها ومناهجها ومشاربها تأتي تجاوباً مع الإدراك العام المصري بأن الأزهر الشريف يجب أن يكون المظلة الكبيرة والراية العليا التي يلتقي عندها الجميع.. والمرجعية التي يلتزم بها كل من يتحدث بالدين وفي الدين. ولا يعني هذا بالطبع أن الأزهر سوف يدخل مع هذه الجماعات والتيارات في تحالفات.. أو يندمج في مشروعها السياسي والحزبي وينفذ خططها.. مثل هذا التفكير لا يتجه إليه إلا من كان في قلبه رغبة في اثارة الشكوك ورغبة في التحريض واستخدام الفزاعات المعروفة لإرهاب الأزهر علي النحو الذي كان يحدث في ظل النظام الساقط.. حتي يبتعد الأزهر عن الساحة.. ويترك دوره الطبيعي ويفقد مصداقيته في الشارع.. ثم بعد ذلك يلومونه وينتقدونه لأنه تخلي عن رسالته وتركها للمتطرفين والمتعصبين. * لماذا يقوم الأزهر بهذا الدور اليوم ولم يقم به من قبل ولم يجرؤ علي الاقتراب من هذه الجماعة أو تلك؟! ** الإجابة سهلة وعلي كل لسان.. فثورة 25 يناير أسقطت المخاوف وفتحت أبواب الحرية ونوافذها للجميع.. ومنحت الأزهر الاستقلال والقدرة علي الحركة دون خوف أو إرهاب من بطش السلطة الغاشمة. الغريب في الأمر أن الذين كانوا يعيبون علي الأزهر ارتباطه بالسلطة وخطابها الرسمي وبعده عن شباب الجماعات وتركه الساحة للمتطرفين عادوا اليوم ليعيبوا عليه لقاءاته مع الجماعات والتيارات ويرهبوا شيخه حتي يعود الأزهر إلي القمقم الذي كان محبوساً فيه. أقرب نموذج لهؤلاء الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي كتب في "الأهرام" أمس مقالاً مليئاً بالمغالطات والتعسف تحت عنوان "حتي يكون الأزهر مرجعاً.. أي ضمير".. وأسوأ ما في هذا المقال أنه مازال يتبني الخطاب التحريضي متصوراً أن الثورة لم تقع بعد وأمن الدولة مازال علي قيد الحياة يفتش في النيات ويأخذ الناس بالشبهات. بني حجازي مقاله علي فكرة تآمرية افتراضية مفادها أن زيارة مرشد الإخوان لشيخ الأزهر ستؤدي الي فرض سيطرة الإخوان علي الأزهر كي ينفذ خططها في اقامة الدولة الدينية.. ثم يطرح السؤال التالي: ما هو دور الأزهر في خطة الإخوان؟! ويجيب علي السؤال قائلاً: "دور الأزهر في هذه المرحلة الانتقالية أن يقف إلي جانب الإخوان الذين يستعدون الآن ليتولوا السلطة ويقيموا في مصر دولة دينية.. فهل يري د.الطيب أن مشروع الإخوان السياسي يعطيهم الحق في أن يكونوا للأزهر شركاء ويعطي شيخ الأزهر الحق في أن يتحدث عن القواسم المشتركة التي تجمعهم بالأزهر. أريد باختصار أن أقول هكذا يؤكد ويجزم أن زيارة وفد الإخوان لمشيخة الأزهر خطوة في خطة متعددة المراحل متشابكة الخيوط.. والأزهر عنصر أساسي في هذه الخطة أو وسيلة من وسائلها". بهذا المنطق الاستبدادي التآمري التحريضي يلعب حجازي نفس الدور الذي كان يلعبه لصالح نظام حسني مبارك.. متجاهلاً أن مصر قد تغيرت.. وأن زمن الوصاية انتهي.. وصارت الحرية حقاً للجميع وليس لحجازي وأمثاله فقط.. وأولي الناس بالحرية من يعرفون مسئولياتها.. وعلي رأسهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر