هل حقاً تخشي دول الخليج من الثورة المصرية؟ نعم.. وهي مصابة بقشعريرة. ستظل تلازمها إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً وستحاول حتي تتغلب علي كوابيسها من عدوي انتقال الثورة إليها أن تعطي شعوبها أقوي جرعة ممكنة من المسكنات الداخلية. وفي الوقت ذاته محاصرة الفيروس الثوري في عقر داره حتي لا تنتقل إليها العدوي. هذا إذا اعتبرنا الثورات بمثابة فيروسات تنتقل عبر الجو. نحن بتنا نعرف كيف يكافح القادة الخليجيون أي عوارض لثورة داخل حدودهم. سواء عبر الرشاوي المالية المباشرة أو التخويف الأمني أو شحن رجال الدين علي المنابر لتجريم الخروج علي الحاكم.. لكن كيف يوخي هؤلاء الحكام انتقال عوارض الثورة المصرية من الخارج؟ بمحاولة الضغط علي يد مصر الموجوعة بالتلويح بورقة العمالة المصرية في الخليج. والترغيب بمشروعات المعونة. وضخ الاستثمارات.. هذا ما يفعلونه الآن بالضبط مع الثورة المصرية. تحديداً الملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. الدولتان. للمفارقة ومعهما إسرائيل أخفقت في وقف تسونامي الغضب المصري ضد نظام حكم مبارك قبل اقتلاعه من جذوره وما أعقب ذلك الآن من الشروع في محاسبته حساباً عسيراً علي استخفافه بمشاعر ومصالح الشعب المصري. وهو ما لا يعجب الإخوة الخليجيين وتل أبيب.. بل إن الأخيرة قبلت الأمر الواقع وفاقت سريعاً من صدمة ضياع الكنز الاستراتيجي من بين يديها. أما الخليجيون فما زالوا يعيشون في الأوهام. هل هذا كل شيء؟. كلا.. فالسعودية مثلاً تتخوف من المد المصري في المنطقة العربية. وهو مد حتمي بالضرورة وشبيه بما حدث في أعقاب ثورة يوليو عام 1952 مثل هذا السيناريو كارثي بالنسبة لها. لأنه سينهي تماماً إلي غير رجعة ما أطلق عليه "الحقبة السعودية" التي بدأت ذروتها تقريباً مع مطلع الألفية نتيجة غياب مصري متعمد عن الساحة الإقليمية ابان فترة التسعينات تحت حكم مبارك وهو غياب تسبب في فراغ هائل تصورت المملكة أنها احتلته في العراق ولبنان واليمن وسوريا والسودان وحتي غزة.. وتقاتل الآن لتكريسه في ليبيا هي وشقيقتها الإمارات وقطر! تسعي للحفاظ علي أن تكون رأس الحربة في المواجهة مع إيران الفارسية. لكن الرياض وأبوظبي لا تطلبان سوي عدم محاكمة مبارك. علي الأقل كما هو معلن؟ لا تلك مجرد بداية لاختبار "مصر الثورية" ستتبعها إن مالت القاهرة للمشيئة الخليجية املاءات أخري في شأن العلاقة مع إيران. والانتظام مجدداً في الفلك الأمريكي بنفس وتيرة دوران مبارك فيه. والتنسيق العالي ضد ما يسمي حزام الإرهاب الدولي. وحرص علي إبعاد الأصابع المصرية عن لبنان والعراق واليمن وسلطنة عمان وربما غزة والسودان باختصار دول الخليج المحافظة لا تريد مصر عفية وفوارة. تضع أجندة نشطة لدول المنطقة كما كان الحال في فترة مصر الناصرية إبان خمسينيات وستينيات القرن الماضي. السعودية باختصار تقود الدويلات الخليجية لتحجيم الدور المصري القادم. وإن لم تستطع توجيهه فعلي الأقل تجذبه ليدور في فلك مصالحها الخاصة.. هي لا تريد للثورة المصرية أن تشهد اكتمالها النهائي بمحاكمة مبارك وسجنه حتي لا يكون نموذجاً مبهراً أمام الشعوب العربية والخليجية علي وجه الخصوص. وماذا ستفعل مصر؟ ستعطي التطمينات اللازمة لهذه "الشياخات" التي تتوهم أنها دول بحق وحقيق فتحارب علي جبهات عسكرية دولية بطائرة أو طائرتين وتسلط أطقم فضائيات تمتلكها للتحريض ضد هذا الرئيس العربي أو ذاك وتعطي وتمنع الأموال والاستثمارات عن دول آخذة في النمو هنا وهناك. ثم ماذا؟. المشكلة أن دول الخليج الهشة ستظل ترتجف في كل الأحوال من عوارض فوبيا الثورات التي تندلع حولها وتطيح بالرءوس الكبيرة في كل مكان.