في منتصف الستينيات من القرن الماضي حدثت أزمة كبيرة في سيارات الأجرة "التاكسي" بالقاهرة لست أتذكر سببها المباشر.. ووقتها كان سائقو التاكسي يتدللون بل يتكبرون علي الزبائن ولا يتوقفون عندما يشير إليهم الزبون. بل يمضون في طريقهم غير عابئين بمدي حاجة رجل مسن أو سيدة متعبة ترغب في الوصول إلي وجهتها. واشتدت الأزمة وتنطع السائقون في تعاملهم مع المواطنين فلا يستجيبون لطلب من يكون متجها لمنطقة شعبية مزدحمة بالسكان والمرور لدرجة أن مجلتي "روز اليوسف" و "صباح الخير" أفردتا صفحات كاريكاتيرية ساخرة في تناول هذه المشكلة. ونشرت إحدي المجلتين كاريكاتيرا لزبون يسأل سائق التاكسي قائلا: تحب سيادتك توصلني فين؟!! نظرا لتكرار رفض السائقين الاستجابة لمطالب الزبائن. الآن تتكرر المأساة في القاهرة. ولا أدري إذا كانت نفس المشكلة موجودة في محافظات أخري أم لا؟! لكن الحصول علي تاكسي يتطلب الوقوف في الشارع ما يقرب من ساعة حتي يتلطف ويتعطف أحد السائقين ويقبل أن يقلك إلي وجهتك!! بعض السائقين أو كثير منهم لا ينظر إليك اطلاقا رغم أن السيارة لا يوجد بها زبون.. وبعضهم يهديء من سير السيارة ولا يتوقف وبمجرد ان يعرف وجهتك يضغط علي دواسة البنزين ليواصل سيره دون أن ينظر إليك.. وبعضهم إذا كان مضطرا للوقوف في إشارة واضطر ان يسمعك يرد عليك بكبرياء وقلة ذوق رافضا توصيلك!! وأصبح حمل أكثر من زبون في التاكسي ومحاسبة كل منهم علي نفس المسافة ظاهرة متكررة.. فالمسافة التي يسجل فيها العداد عشرة جنيهات تصبح بعشرين جنيها إذا كان الركاب اثنين أو ثلاثين اذا كانوا ثلاثة وهكذا!! بل ان بعض سائقي سيارات التاكسي البيضاء يلجأون الآن لتعطيل العداد حتي يجبروا الزبون علي دفع ضعف ما يسجله العداد لو كان سليما.. وهم في ذلك ينهجون نهج سائقي سيارات التاكسي الأسود الخالي من العداد الذين يبتزون الزبائن.. وبعضهم يمارس عليهم البلطجة. ومع تراجع أتوبيسات النقل العام.. ومع غلق بعض محطات مترو الانفاق لضرورات أمنية احيانا تتفاقم مشكلة التاكسي الذي أصبح يمثل امبراطورية مستقلة لا تخضع لنظام أو قانون. وإذا كانت إدارة مرور القاهرة عاجزة عن ضبط المرور في الشوارع.. وفك ظاهرة التكدس الخانقة فليس من المعقول ان نطالبها باجبار سائقي التاكسيات علي توصيل الراكب لأي جهة يرغب الوصول اليها. ظني ولست متيقنا ان قانون المرور يجرم امتناع سائق التاكسي عن الامتثال إلي طلبات المواطنين وهناك عقوبات ربما تكون رادعة.. ولكني متأكد أنك لو سجلت رقم لوحة التاكسي الممتنع وقمت بابلاغها إلي إدارة المرور سينظر اليك الضابط باستخفاف شديد ويردد بينه وبين نفسه: راجل أهبل!!! ولابد أن يعترف الزبون بأنه أهبل فعلا لأنه يطلب المستحيل في بلد يعج بالفوضي في كل شيء.