هناك خيط رفيع جدا يفصل بين الحرية بمفهومها الواسع وتصنيفاتها المتعددة وبين الفوضي بمختلف أشكالها. ومن يحاول الخلط بين الحرية والفوضي عمدا أو جهلا أو استهتارا فانه يقوض دعائم المجتمع وينسف أسسا جميلة تربينا عليها وتعلمناها ويمحو من الذاكرة نماذج عاشت وماتت دفاعا عن الحرية كما ينبغي أن تكون وينزع من القلوب تعاليم الخالق المدونة في كتبه السماوية وسيرة رسله العطرة. *** حرية الرأي والتعبير حق لكل إنسان كفلته الأديان "وشاورهم في الأمر". والدساتير. والقوانين الوضعية. والمعاهدات الدولية. من حقي أن أقول رأيي في أي شيء وأعبر عنه بكل الطرق.. كلاما. وتظاهرا. وكتابة. ورسما وغيرها. لكن.. ليس من حقي أبدا أن أفرض هذا الرأي علي المجموع أو أتبع أساليب توقعني في المحظور وتدخلني في دائرة الفوضي. مثلا.. من حق أهالينا في قنا أن يعلنوا رفضهم لتعيين اللواء عماد ميخائيل محافظا لهم. ومن حقهم أن يبدوا أسباب هذا الرفض وأن يدافعوا عن وجهة نظرهم بكل الطرق السلمية والسليمة.. وهذا لا يعيبهم ولا يعيب المحافظ الجديد الذي لم يرهم ولم يروه.. فهي حرية رأي وتعبير. لكن.. ليس من حقهم أبدا لي ذراع الدولة أو أن يقطعوا الطرق أو يمنعوا القطارات من السير والموظفين من العمل أو يعلنوا العصيان المدني.. هذه فوضي وليست حرية. وبنفس المنطق نحكم علي رفض التعيينات في قطاعات أخري عديدة. وعلي المطالبات الفئوية الكثيرة. وعلي الدعوة لتغييرات هنا أو هناك. وعلي طلب شيء ما أو رفض شيء آخر. من حق الناس ان ترفض أو تطلب بالأساليب القانونية.. ولكن ليس من حقها أن تهدد وتتوعد أو تخرب وتستخدم البلطجة لتحقيق مآربها. انها تخرج بذلك من تحت عباءة الحرية المسئولة وتنضوي تحت لواء الفوضي التي لها عواقب وعقوبات. *** والحرية الشخصية.. حق أيضا لكل إنسان.. مثل الأكل والشرب واللبس والزواج والكتابة واستخدام وسائل المواصلات والسير في الشوارع وغير ذلك. لكن.. ليس من حق أحد مثلا أن يخلع ملابسه في الشارع ويؤذي مشاعر الناس بحجة انها حرية شخصية. أو ان يسب الرائح والغادي أو ان يتهم هذا أو ذاك في كتاباته بلا سند أو دليل. أو ان يمارس الحب علي قارعة الطريق.. الخ. هذه ليست أبدا حرية ولن تكون.. بل فوضي وجنون وانفلات وقلة أدب. ان هناك حقا مهما يفوق حقوق الفرد.. هو حق المجتمع وحق الغير.. ولكي تكون حرا يجب عليك أن تحترم حرية الآخرين. أما نظرية "أنا وبعدي الطوفان".. فانها تغرق الجميع. *** ان الحرية ليست مجرد كلمة يتشدق بها الانسان دون أن يعي معناها. ومغزاها. وتبعاتها. الحرية.. كما انها غاية في حد ذاتها.. فهي أيضا وسيلة لتحقيق غايات أكثر نبلا. الحرية.. يجب أن تكون مسئولة.. والحرية مسئولة في حقيقة الأمر هي حرية مقيدة بضوابط دينية وأخلاقية. وقانونية. ومجتمعية. كيف يكون الانسان حرا.. وحريته منفلتة من عقالها الديني؟ كيف يكون حرا.. وحريته تتناقض مع أبسط قواعد الأخلاق والتربية؟ كيف يكون حرا.. وحريته تضرب بالقانون عرض الحائط؟ كيف يكون حرا..وحريته تشذ عن نسيج مجتمعه وكأن بينها وبينه عداء مستحكما؟ *** قديما قالوا.. "أنت حر.. ما لم تضر".. وهو تعبير بليغ وحاكم في نفس الوقت. بلاغته.. في مطابقته لمقتضي الحال مع فصاحته. وحوكمته.. في انه قاطع وباتر ومحدد.. بأن حريتك متوقفة علي عدم الاضرار بأحد. ومن المؤكد ان الضرر هنا.. اما ماديا أو معنويا. المادي منه.. أما بدنيا للآخرين. أو ممتلكات عامة أو خاصة. أوتعطيل مصالح الناس. أوخرقا للقوانين. أو تكديرا للسلام الاجتماعي. أو بث الفتنة والفرقة بين طوائف الشعب. والمعنوي منه.. اما ترويع الآمنين في بيوتهم وطرقاتهم. أو الايذاء النفسي لهم بالتطاول عليهم والتشهير بهم أو خدش حيائهم.. وما إلي ذلك. *** نحن جميعا مع الحرية المسئولة التي تستند إلي الدين والأخلاق والقانون والعرف المتبع في المجتمع هذه الحرية نساندها ونؤيدها بكل مرتخص وغال.. نطالب بها وندافع عنها ونتمني أن تسود. الفوضي.. مرفوضة. مرفوضة. مرفوضة.. ونحاربها بكل ما نملك وبأغلي ما لدينا. الحرية.. شعار المرحلة والمراحل القادمة. الفوضي.. لن تكون أبدا دستور الحياة في مصر.. الآن..وغدا. وعلي الجميع أن يتحسس الخيط الرفيع بين الحرية والفوضي.