الضغوط الشعبية علي الفريق السيسي لأن يكون رئيساً للجمهورية ليست وليدة الظروف الراهنة أو نتيجة لما قام به في 30 يونيو عندما كان ظهيراً للشعب وسنداً له. ولكنها سبقت ذلك اثناء أحداث العنف ببورسعيد ومدن القناة بعد الحكم علي المتهمين في "مجزرة استاد بورسعيد" وصعدت وقتها القيادة السياسية من الأمور بدلاً من تهدئتها. فقام الناس بعمل توكيلات للفريق السيسي رئيساً لمصر بدلاً من مرسي..!! ولكن اللافت للنظر مؤخراً أن الضغوط لم تكن شعبية فقط بل أصبحت سياسية أيضاً. بعد أن دخلت بعض القوي السياسية علي الخط وصار لها صوت يدوي في الأذن. ولم تقتصر تلك القوي علي شخصيات مرموقة لها وزنها وثقلها السياسي ولكن ظهر بجانبها بعض الأحزاب التي تقوم بنفس الدور وهو الضغط علي الفريق السيسي لأن يكون رئيس مصر القادم. غير أن المثير للجدل أن يكون من بين تلك الشخصيات مرشحون سابقون للرئاسة أمثال عمرو موسي والفريق أحمد شفيق وحمدين صباحي الذين يتغزلون في السيسي ويرون أنه الأفضل لمصر في تلك المرحلة العصيبة من تاريخها. وهو الأقدر علي العبور بها من محنتها الحالية التي هي من أشد المحن علي مدار تاريخها وسيحسب له عبور ثاني بعد عبور الهزيمة والنكسة العسكرية في انتصار اكتوبر .73 لقد بدأت حملات شعبية مثل حملة "مطلب وطن" لجمع 30 مليون توقيع لترشيح السيسي لمدة 4 سنوات. وهذه الحملة قد طرحت صورة لها من تفويض الشعب له علي صفحات التواصل الاجتماعي لتضمن الحملة الانتشار الواسع والسريع. ولكنها للأسف قد ارتكبت خطأً أو قل جرماً أن تحدد للرئيس برنامجاً يسير عليه ولا يحيد عنه كما لو كان رئيساً بالأمر المباشر..!! وليس هناك معني أن تطلب الحملة من السيسي ألا يخذلها كما لم تخذله سوي أن ينزل الرجل علي رغبتها محنثاً بقسمه ودون أن يكون له برنامج يحدده ويسير عليه سوي ما رسمته له دون غيره..!! أنني لست ضد الفريق السيسي ولكني ضد ترشحه فأنا أكن له كل التقدير والتوقير. ولست ضد أن يحكم مصر أي شخصية عسكرية لها قدرها. ولست ممن يصابون ب "ارتيكاريا" الحكم العسكري. لقناعتي أن مصر طوال تاريخها يحكمها قادة عسكريون منذ فجر التاريخ حتي الآن.. وليس ال 60 عاماً الماضية. ورغم أن الكثيرين يهاجمون تلك الفترة. إلا أنهم كلهم نتاجها ونتاج ايجابياتها وسلبياتها..!! كما أنني لست ضد جموع الشعب في قناعتها ورؤاها للسيسي. إذا كانت تري فيه زعيماً ملهماً وقائداً ومنقذاً للبلاد والخروج بها من نفقها الخانق المظلم. غير أن حبي وتقديري له وافتخاري به يحتمون علي أن اطالبه بأن يكون وزيراً للدفاع عن مصر أم الدنيا وليس حاكماً لها. كما اطالبه بأن يتمسك بقسمه وعهده ألا يرشح نفسه رئيساً. وإذا كان السيسي يري أن مصر ستصبح "أد الدنيا" كما يردد دائماً. فليس من الضروري أن يتحقق ذلك بيده وقد يتحقق بيد أحد غيره. فإن مصر مشكلاتها الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية صعبة وتنأي بحملها الجبال. والشعب يتعجل الإصلاحات. وعلي ما اعتقد أن السيسي ليس بيده عصا موسي أو هو ساحر سيحل طلاسم مشكلات مصر بحركة واحدة بتلك العصا. وغداً قد يخرج عليه الشعب الذي فوضه وغني له وحمله علي الأكتاف يطالب بسقوطه إن لم يحقق له ما يريد بأقصي سرعة.. وهذا ما لا ارضاه له ولا أريده لصورته الجميلة التي رسمناها له داخل قلوبنا وعقولنا من أن يصيبها أي تشوه..! كما أنني ارفض الطريق الذي لجأ إليه الشعب والقوي السياسية لاختياره رئيساً. فهو طريق أقرب إلي الاستفتاء أو التزكية. واعتقد أنه بعد الثورتين الأخيرتين لم يعد هناك مجال للاستفتاء أو التفويض. فالاختيار القائم علي العاطفة وتعطيل العقل هو اختيار نتيجته غالباً ما تكون الفشل الذريع. فالضغوط الشعبية والسياسية قد تصنع بطلاً. ولكنها لا تصلح وطناً..!!