ابحث معي عن الأحزاب في الساحة السياسية فلن تجدها.. كانت تطالب بمهلة أطول قبل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة حتي تتمكن من أن تنشط في الشارع وتحتك بالمواطنين وتكسب أنصاراً ومؤيدين.. وبالفعل تم تأجيل الانتخابات البرلمانية إلي سبتمبر القادم.. ولكن مازالت الأحزاب قابعة داخل جدرانها.. وداخل صحفها.. كأنها تخشي النزول إلي الشارع.. وتفضل الهروب إلي مقارها وملاذها الآمن. الأحزاب القديمة مشغولة - كالعادة - بانشقاقاتها ومشاكلها الداخلية.. ومازالت تعاني من الصراع علي السلطة.. ويبدو أنها - والله أعلم - لم تتعود بعد علي الحرية والانطلاق.. ولم تفلح في صياغة خطاب سياسي جذاب يناسب المرحلة. مازالت أحزاب الوفد والتجمع والناصري تبحث عن نفسها.. وترمم هويتها السياسية الممزقة.. وقد أثبت فشلها في كل محاولة للتحالف والعمل المشترك فيها بينها.. وللأسف لم نر لأي منها أو لها مجتمعة مؤتمراً حاشداً أو مسيرة في شوارع المدن حتي يتعرف الناس علي وجوه زعمائها.. ويروهم رأي العين.. ولم نر خطاباً لأحد قادة الأحزاب يثير جدلاً بين الناس. ويبدو أنهم يتصورون أن مجرد الانخراط في الأحاديث الصحفية لجرائدهم عن محاكمة الرئيس المخلوع ورموز الفساد سوف يغنيهم عن التواصل مع جمهور الناخبين.. وعن عرض برامج وأفكار سياسية تجمع الناس من حولهم. أما بقية الأحزاب الصغيرة التي كانت تعرف بالأحزاب الكرتونية فمازالت كرتونية.. حتي تلك التي حاول بعض رؤسائها أن يركب موجة الثورة ويدعي البطولة بعد أن كان يعارضها وينحاز لمبارك ولحزبه الوطني عادت هي الأخري إلي الحظيرة الكرتونية.. ورضيت بأن تأخذ نصيبها من الشهرة الشخصية ليس أكثر. وقد تردد أن هناك 15 حزباً جديداً لشباب الثورة يتم الآن اتخاذ الإجراءات لإشهارها.. لكن مما يؤسف له أن هذه الأحزاب كانت مطالبة بأن تتواجد في الشارع أولاً لتأخذ منه الشرعية وتأشيرة الدخول إلي المعترك السياسي قبل أن تسلك الطريق البيروقراطي لتحصل علي موافقة لجنة شئون الأحزاب. ومن العجب أن الشخصيات المرشحة للانتخابات الرئاسية أحدثت حراكاً سياسياً أسرع وأكثر جلبة من الحراك الحزبي.. وذلك علي الرغم من أن الانتخابات البرلمانية ستأتي قبل الانتخابات الرئاسية. المتواجدون علي الساحة السياسية والإعلامية الآن نجوم التيار السلفي.. والإخوان.. ثم المرشحون المحتملون للانتخابات الرئاسية.. ثم الشخصيات الطموحة.. وأخص منها بالذكر هنا الإخوة السادات والمهندس نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الأحرار. السلفيون يؤثرون الظهور الديني علي الظهور السياسي ولكنهم حريصون علي الإعلان عن أنهم سيشكلون حزباً.. وبالتأكيد سوف يكون هذا الحزب استثماراً بشكل أو بآخر لهذا الظهور الديني الكثيف. والإخوان حسموا أمر حزبهم.. لكن يبدو أن الخلافات الداخلية مازالت تعرقل حركتهم وسط الجماهير.. أو ربما يمنعهم الحرص علي عدم استفزاز التيارات والأحزاب الأخري النائمة من أن يكشفوا عن قدراتهم مبكراً ودفعة واحدة.. حتي لا يفاجأ الناس بأن الملعب ليس فيه غير الإخوان. ويبدو أن فورة الحماس التي ظهرت بها الجماعة الإسلامية والجهاد وعبود الزمر عقب الثورة قد هدأت.. ودفعت القيادات التي تحمست لإنشاء أحزاب لها إلي التفكير بواقعية وإيثار السلامة. ايضا حزب الوسط لم نعد نسمع له صوتاً بعد أن انطلقت زغرودة الفرحة تؤذن بحصوله علي الشرعية.. لم نر وجه المهندس أبوالعلا ماضي أو غيره من المؤسسين علي الشاشات أو المؤتمرات للحديث عن حزبهم وتقديمه للجمهور. ورغم محاولات المهندس نجيب ساويرس لتدشين حزبه الجديد إلا أن حضوره الشخصي يظل غالباً علي حضور الحزب.. فالخطاب السياسي خطاب ساويرس والبرنامج برنامجه.. أما الحزب فسيأتي حين ميسرة. كذلك الأمر مع آل السادات الذين يحرصون علي إثبات حضورهم العائلي من زوايا عديدة بصرف النظر عن الانتماءات السياسية.. فالسيدة رقية أثبتت حضورها الدائم باتهامها لمبارك بالضلوع في جريمة اغتيال السادات.. وكانت الأسرة من قبل قد دخلت في نزاع قضائي لإثبات الحضور في مواجهة ابنة عبدالناصر التي اتهمت السادات بالضلوع في مؤامرة لتسميم والدها.. ثم جاء بلاغ طلعت السادات ضد نفسه وإخوته وابن عمه جمال أنور السادات ليؤكد حضور العائلة علي المسرح.. وأعقب ذلك المغامرة العجيبة لاختطاف الطفلة زينة عفت السادات والعثور عليها واسترداد الفدية كاملة.. ثم الإعلان المفاجئ عن رئاسة طلعت السادات للحزب الوطني الجديد وقراره بفصل عدد من الأعضاء القدامي ومنهم شقيقه زين واختيار الحزب له ليكون مرشحه في انتخابات الرئاسة القادمة.. وأخيراً البيان الذي وجههه أنور عصمت السادات - شقيق طلعت - للمجلس الأعلي للقوات المسلحة باعتباره وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية يطلب فيه ضرورة حل الحزب الوطني واستعادة جميع مقاراته المملوكة للدولة والتحفظ علي أرصدته بالبنوك. وحتي إذا تصورنا بإمكانية عودة بعض فلول الحزب الوطني للعمل السياسي فلا يمكن أن تكون عودتهم علي أساس سياسي وإنما علي أساس خدمي أو قبلي أو عائلي وبدعم مالي. وهكذا ننتهي إلي أن الساحة قد خلت بالفعل من الأحزاب.. وذلك لأن الأحزاب مازالت غير مستوعبة لما حدث.. فقد سقط مبارك وحبيب العادلي وأمن الدولة.. ولم يعد هناك تضييق أمني ومشاغبات.. ولم تعد هناك شماعة تعلق عليها أحزابنا فشلها السياسي.. لذلك آثرت السلامة وهربت من ساحة المعارك حتي إشعار آخر.