لقد كانت السيدة فاطمة الزهراء من أقرب الشخصيات لقلب أبيها سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - يفرح لفرحها ويغضب لأي شيء يغضبها. ويبدو البشر في وجهه - صلي الله عليه وسلم - حين يعيش لحظات مع أسرتها الصغيرة ولا يمل من مداعبة الحسن والحسين فهما المدللان لدي جدهما ويسعد حينما ينزل من فوق منبره فيحتضن هذين الحسنين الصغيرين ويصعد بهما منبره في حفاوة وحب ضاربا المثل في إكرام الأطفال وحبهم والاشفاق علي البراعم الصغيرة حتي وهو في هذا الموقف أثناء حديثه لأصحابه من فوق منبره. وقد غضب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - حين أخبرته السيدة فاطمة الزهراء بأن عليا رضي الله عنه يريد الزواج من بنت أبي جهل ولعل أقرب دليل علي ذلك انه - صلي الله عليه وسلم - خرج إلي مسجده غاضبا وخطب في جماهير الأمة مؤكدا انه يستحيل أن يجمع بين ابنتي وبنت أبي جهل عدو الإسلام موضحا أيضا ان عليا إذا أراد ذلك فليطلق ابنتي وينكح ابنة ابي جهل. ثم مضي قائلا: "ان ابنتي قطعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما أذاها" تلك مكانة الزهراء في قلب سيد الخلق كما أولادها هم آل بيت النبي - صلي الله عليه وسلم - فهل هناك مكانة أجل من ذلك؟ حقيقة ان السيدة فاطمة كانت مرهفة الحس ذكية تعرف قدر نفسها جيدا وتبتعد عن كل ما يغضب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وتسعي جاهدة لارضاء زوجها. تعرف له قدره ومكانته لدي رسول الله أبيها وكانت حصيفة عندما تغاضت عن موقف علي رضي الله عنه حين أراد الزواج عليها من ابنة أبي جهل ولم تشأ أن تظل المسألة العارضة عاملا لاثارة الغضب بين الزوجين فقد تعلمت من والدها الصفح والعفو وقد قابل الإمام علي هذا الموقف بالإحسان واضفاء المزيد من الحنان والحب علي أهل بيته ومضت حياة هذه الأسرة يغلفها الحب ولا يعكر صفوها رغبة طارئة فذلك شأن كل رجل. الأهم ان يكون كلا الزوجين قد تفهم كل منهما هذا الموقف وآثاره واستطاع كل منهما التغاضي عن ذلك. لقد كانت السيدة فاطمة تدرك مدي مكانتها في قلب أبيها ومع ذلك لم تفرط يوما في حق زوجها ومضت في تربية أبنائه وشغلها الشاغل رعاية زوجها وإدارة شئون بيته بكل اهتمام وعلي أعلي مستوي وقد كان النبي - صلي الله عليه وسلم - دائم التردد علي هذا البيت. يسعد برؤية البنين والبنات من أولاد الزهراء وكان وصيته الدائمة لها هي: الاهتمام بتربيتهم والاحسان إليهم ومما ترويه كتب السيرة والتراجم ان الرسول - صلي الله عليه وسلم - قد توجه إلي بيت ابن العم فوجده نائما هو وزوجته السيدة فاطمة حيث ان النوم قد غلبهما بعد عناء يوم في رعاية الأبناء وفي هذا الوقت وجد الرسول ان الحسن يبكي لانه يريد طعاما شأن كل طفل وبكل الحنان والرحمة لم يرد الرسول أن يوقظ الوالدين وانما اتجه إلي شاة كانت تقف في المنزل فقام بحلبها وقدم اللبن للحسن وظل يرضعه حتي هدأ. تلك هي مكانة الحفيد في قلب الجد سيد الخلق - صلي الله عليه وسلم - مؤكدا صدق المثل "أعز الولد ولد الابن أو البنت". حنان رسول الله بفاطمة وأولادها ليس له نظير السعادة تغمر قلبه حين يراها سعيدة والسيدة فاطمة لاتنبه علي زوجها استغلال لهذه المكانة في قلب رسول الله. وظلت علي وفائها لأسرتها لا تدخر جهدا من أجل توفير كل وسائل الراحة لأولادها وزوجها وبينما هي مشغولة بهذه الأعباء إذ جاءها طلب بأن الرسول يريدها فأسرعت الخطي إلي هناك وحين أقبلت كانت السيدة عائشة تراقب خطواتها فتقول ان مشيتها كانت أقرب الشبه إلي مشية رسول الله حتي المشي كانت قريبة لأبيها انها تربية سيد الخلق وحين وصلت إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - رحب بها ثم افضي إليها بكلمات فبكت ثم أسر إليها بكلمات أخري فضحكت وقد أثار ذلك الحاضرين. أمام هذا الموقف الذي يبدو متناقضا تساءلت السيدة عائشة رضي الله عنها قائلة: فيم تبكين وفيم تضحكين. لكن بعد رحيل رسول الله - صلي الله عليه وسلم - أجابت السيدة فاطمة عن التساؤل قائلة: بكيت حين أخبرني بأنه سيغادر هذه الحياة وضحكت حين أخبرني بأنني سأكون أول من يرحل بعده عندئذ فرحت بأن حياتي لن تستمر طويلا بعد هذا الفراق العزيز علي نفسي. وهكذا كانت السيدة فاطمة تتمتع بهذه المكانة لدي الرسول وكذلك لدي كل الصحابة رضي الله عنها واجزل لها العطاء ويكفي الزهراء شرفا ان أبناءها وذريتها هم آل بيت النبي - صلي الله عليه وسلم .