فيلم حسن ومرقص وكوهين "1954" يعود انتاجه إلي ما يقرب من 60 عاماً. ومن يتأمل أحداث وشخصيات هذا العمل بعد هذه المدة الطويلة التي انقضت. لابد أن يسرح فيما آل إليه الحال. فالبيئة الثقافية التي يشيعها العمل الذي يتناول قصة ثلاثة من الأصدقاء في مشروع واحد لم تكن تعرف آفة الطائفية في مستواها المرضي المزمن الذي بتنا نعاني منه.. لم يكن في هذا التوقيت الذي يأتي بعد ثورة يولية بعامين. معاناة من التطرف الديني ولم يكن مصطلح "الوحدة الوطنية" يتردد بهذه الكثافة. الوحدة بين الأديان الثلاثة كانت تمارس دون طنطنة. ووجود هذا المصطلح ومعه "النسيج الوطني" شاع في زمن القلاقل الاجتماعية التي اصطنعها النظام السياسي الذي امتد واشتد طوال حكم حسني مبارك وقبله السادات حين ظهرت معاول الهدم لهذه الوحدة علي طريقة فرق تسد وبهدف إلهاء الناس في مصائب قومية بعيداً عن الهموم اليومية للأسرة ناهيك عن سياسات قمع الحريات وتكميم الأفواه. حتي هذه الفترة كان التعايش السلمي والوفاق الوطني ممكناً. حتي بدأت الحساسية المفرطة إزاء اليهود بعد العدوان الثلاثي. ومن ثم غادرت نسبة كبيرة من اليهود المصريين البلاد. روح فيلم "حسن ومرقص وكوهين" وجوهر العلاقة بين الشخصيات الثلاثة لم تكن مشبعة بالتعصب رغم التصوير التقليدي والنمطي لشخصية كوهين اليهودي ومرقص المسيحي وحتي شخصية المسلم حسن. اعتمدت الكوميديا في الأغلب علي المواقف الطريفة التي شارك الثلاثة في صنعها ومعهم "عباس" العامل الذين ارادوا أن يستغلوه. الكتيبة الكوميدية التي اعتمد عليها الفيلم إلي جانب خفة ظل الممثلات زينات صدقي ونجوي سالم اشاعت اجواء مريحة مبهجة طوال الفيلم الذي يتكرر عرضه علي القنوات الفضائية. الفيلم كتب له السيناريو واخرجه فؤاد الجزايرلي. واشترك في كتابة القصة والحوار بديع خيري ونجيب الريحاني. والباحث عن أصول الأسماء المشاركة في صنع هذا العمل سيجد أنهم ينتمون إلي الديانات الثلاثة وإلي أصول عرقية واجتماعية مختلفة ومع ذلك لا تشعر بأنك في حضرة بيئة ومناخ انساني وثقافي محروم من التجانس أو مصاب بآفة التعصب. الجميع حباهم الله بروح قريبة من القلب. وملكة فكاهية مصرية صميمة. بعد ذلك بأكثر من نصف قرن. وتحديداً بعد 54 سنة ظهر فيلم آخر بعنوان "حسن ومرقص" "2008" فقط من دون كوهين. ذلك لأن كوهين اضطر إلي الهجرة. أو الرحيل بتذكرة ذهاب بلا عودة. وبعد صك موقع يضمن عدم عودة أي منهم. بعض اليهود الذين تركوا مصر ظهروا في فيلم تسجيلي مؤخراً للمخرج أمير رمسيس يصور مشاعر الحنين والمرارة التي يشعرون بها. خصوصاً كبار السن الذين مازالوا يحملون مصر في ذاكرتهم إن لكل فيلم "بيئة" يشيعها اثناء الفرجة عليه. ومن خلالها يمكن اصطياد قبس من روح المرحلة التي ظهر فيها. فيلم "حسن ومرقص وكوهين" يختلف عن فيلم "حسن ومرقص" تأليف يوسف معاطي واخراج رامي إمام وتمثيل عمر الشريف وعادل إمام. الأول يتسم بالعفوية وينطوي علي دلالات اجتماعية ليست مصطنعة واجواء محبة ليست مغتصبة والثاني يوحي من خلال البيئة والسياق الاجتماعي بعكس ذلك تماماً. انه يشير إلي أزمة مجتمعية وطائفية مزمنة. وإلي مشكلات تسعي السينما إلي حلها بافتعال شديد وكذلك يشيع بيئة تعاني من التعصب الديني. الضحكات واجواء المرح تبدو شكلية لا تمس سوي الظاهر. أما الفيلم التسجيلي الذي قدمه شاب قبطي مصري عن "يهود مصر" فإنه يوثق للآفات الدينية والمشكلات السياسية الاجتماعية التي اصابت مصر وطالت روح الوطن والمواطن وأخشي أن يظهر فيلم في مرحلة لاحقة يقتصر عنوانه علي اسم حسن فقط بدون "مرقص" وبعد اختفاء "كوهين" ومن المؤكد أنه لن يكون بخفة ظل عبدالفتاح القصري.