الغرب.. هو الغرب لا يعرف إلا لغة الدولار واستراتيجية المصالح.. يرتدي أحياناً قناع السلام ودعم حقوق الإنسان والانحياز للشعوب المقهورة لتجميل الوجه الاستعماري القبيح الذي يطل به من آن لآخر وفي صور متعددة. فالناظر علي الخريطة العربية من المحيط للخليج يرصد موجات مد ثورية شعبية قد تبدو طبيعية ومنطقية بعد أن استهلكت معظم الأنظمة العربية الشمولية وتهرأت.. ولكن الغريب والمستهجن هو موقف الغرب من تلك الرياح المزمجرة التي تنتقل سريعاً بين بلدان الوطن العربي.. فالغرب يريد تحولاً ديمقراطياً تحت رعايته وإشرافه وبالشروط التي يحددها ويقبلها. ولا شك أن الغرب حمي هذه الأنظمة الديكتاتورية المستبدة زمناً وقدم لها مساعدات مالية ومعنوية.. والأنظمة بدورها دافعت عن وجوده واستثماراته وسياساته. ومارسا معاً لعبة "المصالح المتبادلة". وإذا كان الواقع يحتم حدوث هذا التحول بعد أن فقدت هذه الأنظمة شرعيتها وضاق الناس بها ذرعاً.. فلا مانع. بل ولابد أن يتصدي هو لقيادة هذا التحول وعلي طريقته الخاصة وفي التوقيت الذي يراه. ورغم حالة الانزعاج الغربي من الثورات الشعبية العربية والتي عبرت عنها مؤخراً جريدة "الجارديان" البريطانية إلا أنه يجيد فن التعامل مع كل حالة علي حدة وقف حجمها الاقتصادي ودورها الاقليمي ودرجة ولائها للتوجهات والسياسات الغربية. والمتابع المنصف لتقييم أمريكا ودول الغرب وردود أفعالها تجاه ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين يجد التباين في المواقف والتدرج في التأييد أو الرفض والتلون كالحرباء.. فهم يتفنون في سياسات توزيع الأدوار.. دولة ترفض وأخري تؤيد حيناً من الزمن.. وثالثة تترقب.. وثالثة تتحفظ.. وفي ا للحظة الحاسمة المحددة سلفاً يكون الاتفاق بالأغلبية لتمرير السياسة المتفق عليها.. ولا مانع من توظيف كافة المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية لتنفيذ هذا الغرض. في الحالة المصرية تباينت - إبان الثورة - مواقف أمريكا.. كانت تريد إمساك العصا من المنتصف. فمصر بالنسبة لها عامل استقرار في المنطقة العربية.. في يوم 25 يناير لم يكن هناك إصرار علي أن يترك مبارك الحكم. انطلاقاً من تأييد نتنياهو لبقائه. والانحياز لفكرة الحوار مع الثوار. والتجاوب مع المطالب الإصلاحية.. وفي يوم "جمعة الغضب" وبعد اشتباك الأمن مع المتظاهرين وسقوط عدد من الشهداء اتخذت واشنطن موقفاً مغايراً وطالبت مبارك بالرحيل فوراً.. فقد تطور موقفها مع تطور الأحداث. وإبان الثورة التونسية وحين احترقت ورقة "علي زين العابدين" أظهرت الانحياز لمطالب الشعب التونسي.. أما في ليبيا وبعد خراب مالطة وتعنت نمرود ليبيا القذافي أخذت موقف المتفرج حيناً طويلاً من الزمن ثم كان قرار التدخل العسكري لتنفيذ قرار الحظر الجوي تحت غطاء دولي وشرعية الأممالمتحدة التي يصنعها الغرب أيضاً.. وفي اليمن نجد موقفاً مائعاً يصعب من مهمة الثوار. وعلاوة علي فلسفته القديمة "فرق تسد" وسياسة "الجزرة والعصا" لابد أن ننسي أن دول الغرب تحرص دائماً علي صناعة التوتر وسياسة الأرض المحروقة المدمرة التي تزيد المسافة الحضارية بينها وبين الدول العربية.. فهي فرصة بلا شك لتجريب السلاح واستنزاف الثروات وفرض المزيد من الاستثمارت. والفاتورة بالطبع يدفعها العرب.. وعلي حساب صاحب المحل..!!