تقوم منظومة حكم أي ديكتاتور علي فكرة أساسية مضمونها "من ليس معي فهو ضدي" وبالتالي فالديكتاتور يقتنع تماما بفكرة اجهاض الآخر ومن ليس في حاشيته وهو في ذلك يستمد قوته من أجهزة أمنية قمعية تتفنن في تعذيب الناس وإرهابهم وتحويلهم إلي تابعين "مخبرين ومرشدين وجواسيس ويتحول مبدأ الشرطة في خدمة الشعب "حسب نص الدستور" إلي الشعب والشرطة في خدمة الوطن وبالتبعية يتحول أمن الدولة إلي دولة الأمن التي تستمد شرعيتها من حاكمها الطاغية الظالم. لماذا تحولت مصر إلي دولة أمن؟ هذا هو السؤال؟ الاجابة لأن النظام السابق استخدم قانون طواريء علي مدار سنوات حكمه ليتحول رجل الشرطة الصغير إلي ديكتاتور كبير فوجدنا مندوب وأمين شرطة يطلق عليهم "الباشا" في دولة التوك توك والميكروباص. وهؤلاء في الدولة الأمنية تحولوا إلي اباطرة في الشوارع مدعومون بضباط يمتلكون الميكروباصات وسيارات التاكسي ويعيثون في الأرض فسادا. كل ذلك تحت سمع وبصر قانون يسمي قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 الذي يذكر في مادته الأولي.. "ان جهاز الشرطة هو هيئة مدينة نظامية".. "لاحظ كلمة مدنية" في توصيف جهاز الشرطة لتكتشف إلي أي مدي انحرفت الشرطة عن مسارها في دولة الأمن إلي جهاز غير مدني. في قانون الشرطة أيضا ضوابط لعمل الضباط وانحرافاتهم والتي يجيز القانون فيها إحالة الضباط من رتبة ملازم أول إلي عميد إلي مجلس تأديب ابتدائي إذا ارتكب مخالفة تتعلق بوظيفته أو خارجها حتي ينال العقاب التأديبي من التنبيه أو اللوم أو الإحالة للمعاش أو الحرمان من المعاش في حدود الربع أو العزل وذلك كله قبل أن يحال الضابط إلي محكمة الجنايات. هذا المجلس يتكون من مساعد وزير الداخلية وثلاثة لواءات وعضو من مجلس الدولة.. والسؤال كم ضابط أحيل إلي ذلك المجلس خلال النظام السابق؟ لا أعتقد أن العدد يذكر. وينص القانون أيضا علي تشكيل مجلس تأديب أعلي "وهو المجلس الذي لم يعقد طوال ولاية العادلي "يتكون هذا المجلس من رئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام ومساعد وزير الداخلية ومستشار بمجلس الدولة ومندوب يختاره المجلس الأعلي للشرطة. هذا المجلس تحال إليه قيادات الوزارة من رتبة لواء إلي أعلي. وطبيعي في ظل العصر البائد لم يتم تحويل أي ضابط من أمن الدولة. وكأن ضباط أمن الدولة تحولوا إلي ملائكة أما من اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب البدني والنفس والجنس هم وأهاليهم تحولوا إلي شياطين!! إذا كنا نريد اصلاح جهاز الشرطة فيجب تحويل كل ضابط أمن دولة إلي مجالس تأديب أولا حتي ينال العقاب الذي نص عليه القانون حتي لا يعملوا بالمحاماة ان خرجوا من الخدمة ثم بعد ذلك تحويلهم إلي محكمة الجنايات لينالوا عقاب المجتمع.. فحق الضحايا والشهداء أبدا لن يضيع وللحديث بقية.