يضم الجيل الثاني من الفنانين المصريين النجوم الذين ولدوا بعد مطلع القرن العشرين وحتي الحرب العالمية الأولي.. وقد تعلم معظمهم علي أيدي الفنانين الأجانب ثم فناني الجيل الأول عقب عودتهم - في نهاية العشرينيات - من بعثاتهم الحكومية في أوروبا.. لقد بدأوا الإنتاج الفني في الثلاثينيات وهي حقبة التراجع في المد الثوري الذي أشعلته ثورة .1919 فبعد وفاة مختار عام 1934 وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية "1945" ساد فن النحت اتجاه يمجد أعمال محمود مختار.. وأصبحت تماثيله مثلاً أعلي لطلاب الفن في مدرسة الفنون الجميلة العليا وخارجها.. وراح أساتذة النحت يضعون أعماله أمام تلاميذهم كنماذج تحتذي. ويتحدثون عنه بتفخيم كزعيم وفنان مبدع دون أن يحددوا بمنهج نقدي واضح جوانب عظمته. وشهدت مصر جيلاً بأكمله هيمن علي فن النحت لسنوات. كان يقدس مختاراً إلي أبعد الحدود ولم يفكر أحدهم في تجاوزه. لأن أبناء هذا الجيل في محاولتهم التشبه به وتقليده لم يحققوا في أحسن حالاتهم إلا نسخة تقترب من فن محمود مختار ومن مقاييس الجمال التي أودعها في أعماله الفنية. ومن المؤكد أن هذا الاتجاه الأكاديمي الذي ساد فن تلك الفترة يمثل التحقيق العملي للأهداف التي أقيمت من أجلها مدرسة الفنون الجميلة. وهي الأهداف التي تمرد عليها مختار.. فإن السير علي النمط الأوروبي في النحت هو بالضبط ما كانت تهدف إليه الدراسة في مدرسة الفنون الجميلة المصرية عند إنشائها. لإرضاء الأثرياء بتحقيق فن أوروبي الطابع ينتجه مصريون منخفضو الأجور.. وهكذا سادت المدرسة المحافظة في فن النحت التي لا تحمل من الطابع المصري إلا أقل القليل. ومن المهم تأكيد الدور الفني لأعمال محمود مختار إلي جانب دورها السياسي. فهي من الناحية الفنية. أرست مجموعة من الرموز الوطنية. مثل التعبير عن مصر بالفلاحة الأم. والتعبير عن النهضة بخلع الحجاب عن وجه المرأة كما في تمثال نهضة مصر. والتعبير عن المجد الفرعوني "المصري القديم" برمز أبي الهول كما في تمثال نهضة مصر أيضاً.. وهو في نفس الوقت ابتدع الصيغة المعبرة عن الخصوصية القومية في الفن خاصة في فلاحاته حاملات الحرارة. وباستمرار اعتماد المثالين المصريين علي السراي والاقطاع وتشجيع الأثرياء. استمر الإنتاج المصري مقلداً للفن الأوروبي. ولم يكن اختيار النحاتين المصريين للموضوعات المحلية في تماثيلهم إلا نوعاً من الطرافة والتزيين.. ولم يكن من المستطاع احداث أي تغيير فني ذا قيمة إلا بخلخلة العلاقة بين الفنان والطبقة المالكة للنقود التي يتعيش عليها ويتشبه بها والتي تميزه عن باقي أفراد طبقته "لعبقريته". وهكذا لم يحقق الارتباط بين الفن ورعاته غير الأسلوب الأكاديمي الذي لم يتوصل إلي صيغة لها قوة وجماهيرية وعظمة ما قدمه مختار باعتباره فنان الطبقة الوسطي المصرية التي كان يمثلها حزب الوفد خلال فترة ثوريتها.. وهكذا سادت المدرسة المحافظة في فن النحت وهي لا تحمل من الطابع المصري إلا القليل.. لكنها مع هذا "والحق يقال" قد حققت للحركة الفنية خلال هذه المرحلة الكثير من المكاسب. فقد تقررت ميزانية للبعوث الفنية عام 1924 وأقيم أول معرض لصالون القاهرة في نفس السنة. ورصدت ميزانية للمقتنيات ابتداءً من عام 1925. وكونت الدولة لجنة استشارية للفنون الجميلة. وشكلت النواة الأولي لمتحف الفن الحديث. كما تم تمصير الوظائف الفنية عام .1938 وعلينا أن نتذكر الأوضاع الفنية في الثلاثينيات عندما كان المعرض السنوي الشامل وهو "صالون القاهرة" يعرض فيه المصريون مع الأجانب المقيمين في مصر وكان يتزايد عدد المصريين عاماً بعد عام. ففي عام 1932 بلغ عدد المصريين 62 عارضاً قدموا 167 عملاً من مجموع الأعمال التي عرضت وعددها 535 عملاً.. وظلت هذه النسبة تتغير تدريجياً حتي بلغت 187 عملاً للفنانين المصريين في معرض 1940 من مجموع الأعمال المعروضة والبالغ عددها 579 عملاً. هذه الأرقام توضح لنا سبب تغلب الاتجاه الأوروبي في تلك الفترة لأن الاتجاه السائد والأغلبية العارضة أوروبية كما أن سوق الفن في نفس الوقت كان يقتصر علي الأعمال المتقنة أكاديمياً.