مبدئياً لابد من الاعتراف بأن اختيار د. علاء عبدالعزيز وزيراً للثقافة لم يكن مفاجئاً للمثقفين فحسب بل كان أيضاً صادماً. جاءت المفاجأة من أن الوزير الجديد لم يكن مرشحاً لهذا المنصب من قريب أو بعيد. لدرجة أن الاجهزة الرقابية التي طلبت من أكاديمية الفنون ملف د. أسامة أبوطالب الذي كان مرشحاً للوزارة. لم تطلب حتي- وحسبما تردد- "بيان حالة" عن د. علاء عبدالعزيز. أما الصدمة فقد جاءت لكون د. عبدالعزيز كان واحداً من الذين يكتبون في جريدة "الحرية والعدالة" ومن المدافعين عن سياسة الاخوان المسلمين. وهو ما اعتبره المثقفون بداية لاخونة الثقافة. وان نفي الوزير الجديد انتماءه إلي الاخوان وأكد في أول تصريح له أنه لم يأت لتصفية حسابات مع أحد. وبغض النظر عن الاتهامات التي تلاحق الوزير الجديد من قبل د. سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون والتي لم يحسم أمر صحتها من عدمه حتي الآن.. فإن بدايات د. علاء عبدالعزيز تثير القلق بالفعل وذلك مثلاً بسبب تصريحاته المتعجلة حول مكتبة الاسرة التي قال فيها إنه سيتم تغيير اسم المكتبة إلي مكتبة الثورة وذلك دون الرجوع إلي اللجنة العليا المسئولة عن المكتبة أو رئيس هيئة الكتاب المسئول عن إصدارها. كان علي الوزير ان يتأني قبل ان يطلق هذا التصريح غير المبني علي أي أساس. فلو سأل لعرف أن هناك سلسلة اسمها "ابداعات الثورة " تصدرها قصور الثقافة وسلسلة أخري تصدرها دار الكتب باسم الثورة والحرية ثم إن إطلاق مكتبة الثورة بدلا من مكتبة الاسرة يعني أن افق المكتبة لن يستوعب سوي نوعية محددة من الكتابات وفضلاً عن ذلك فإن "الاسرة" ليست سبة وتغييرها ليس "ثورية ولا حاجة".. فما الداعي إذن لاستفزاز الناس وإثارة قلقهم؟!. أيضاً فإن الوزير في زياراته إلي مؤسسات الوزارة بدا أنه مشغول أكثر بمشاكل الموظفين مما يوحي بأنه يسعي لكسبهم في صفه.. خذ عندك مثلاً زيارته لقصور الثقافة التي ركز فيها علي حوافز الموظفين وبدلاتهم والمشاكل التي تواجههم في حين أن هناك ما هو أهم.. صحيح ان الموظفين مظلومون ويستحقون ان ترتفع رواتبهم وحوافزهم وبدلاتهم ولا أحد ينكر عليهم ذلك.. لكن الاصح ان يعي الوزير ان النشاط الثقافي هو المتن والاساس. وأن الموظفين يتقاضون أجورهم لتنظيم وتيسير هذا النشاط فإذا انعدم النشاط وتقلص كان الاجدر بهؤلاء الموظفين أن يبحثوا لهم عن مكان آخر. كان علي الوزير ان يؤكد في تصريحاته إيمانه بالدور المهم الذي تلعبه الهيئة. وحرصه علي أن تظل- كما كانت دائما- "الثقافة الجماهيرية" التي تستوعب كل التيارات والاتجاهات ولا تنحاز لتيار أو فصيل بعينه.. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث مع انه هو الاهم والاكثر تطميناً للمثقفين وللموظفين أنفسهم. الغريب في الامر أن الوزير قال إنه سيناشد وزارة الداخلية حتي لا تتعسف الحماية المدنية مع مواقع الهيئة.. وجاء الرد بعدها بساعات حيث قررت الحماية المدنية إغلاق قصر الفيوم ثلاثة أشهر لعدم توافر وسائل الامان في حين أن مبني محافظة الفيوم نفسه لو طبقنا عليه هذه الشروط لتم اغلاقه فوراً هو وعشرات المباني الحكومية بالمحافظة.. لكن الثقافة ابنة الجارية.. ما موقف الوزير من هذه المهزلة؟ وهل صحيح ما يتم ترديده من أن الخطة تقضي بأن يتم العمل من أسفل.. بمعني إغلاق المواقع بحجة عدم توافر شروط الامان؟ ولماذا لا نشعر بأي وجود لوزارة الداخلية ووزيرها إلا مع مواقع قصور الثقافة؟ وفضلاً عن ذلك فقد تردد أن الوزير بصدد تشكيل مكتب فني يضم خمسة من جماعة الاخوان المسلمين بالاضافة إلي بعض الاعضاء الآخرين.. إذا صح ذلك تكون كارثة بالفعل.. فبأي أمارة يكون هناك خمسة من الاخوان في مكتب فني يتحكم في أنشطة الوزارة ويقرر انتاج عمل ما أو عدم انتاجه؟ خلاصة الامر فإن هواجس المثقفين واعتراضاتهم لن تنتهي.. والكرة الآن في ملعب الوزير الذي لن يخلد في الوزارة.. هل جاء فعلاً وفي ذهنه ان مؤسسات الوزارة تستعصي علي الأخونة. وبالتالي سيعمل علي تطويرها ومنحها مساحة أكبر من الحرية تليق بمصر بعد الثورة وتليق بمكانتها وتاريخها عموماً.. أم أن أحداً.. في لحظة طيش- أقنعه بأن الاخونة ممكنة؟ عن نفسي أؤكد له استحالة ذلك.. وعليه ان يتذكر ان المناصب لا تدوم.. وكذلك الانظمة.