لو سألوا الرئيس الامريكي باراك أوباما عن رأيه في البرامج الساخرة التي لاتكف عن انتقاده بصورة هزلية- وهي كثيرة جداً- لأجاب ضاحكاً وبلا تردد إنها تمتعه كما تمتع غيره من الامريكيين. لم نسمع "أوباما" يوماً يعلق بصورة سلبية علي أحد هذه البرامج أو يهدد مقدمها ب "جره" في ساحات المحاكم حتي لو تجاوز الهزل كل الخطوط الحمراء. ولم يطالب انصاره برأس "باسم يوسف الأمريكاني" لانهم ببساطة يضعون كل شيء في حجمه الطبيعي ولا يحملون الاشياء أكثر مما تحتمل. ما الفرق بيننا اذن.. ولماذا لا نأخذ الامور بنفس البساطة.. وهل الشعب الامريكي أكثر تسامحاً من هؤلاء الذين يصرون علي ملاحقة "باسم يوسف" بصورة مبالغ فيها بدعوي إهانة الرئيس؟! الاشكالية اننا نعيش حالة من التخبط واختلاط المفاهيم ولانستوعب الظرف الذي نعيشه- يستوي في ذلك الاسلاميون وغيرهم- فالذين يقتلون ويحرقون ويخربون في الممتلكات العامة والخاصة يزعمون أنهم في حالة ثورية.. والثورة منهم براء. والذين يلاحقون الاعلاميين ومنهم- أو في مقدمتهم- "باسم يوسف" سواء في ساحات المحاكم أو غيرها حتي وصل الامر إلي إباحة الدماء والتهديد بالقتل يتصورون انهم يقدمون خدمة للنظام أو يدافعون عن الرئيس. وأولئك يعانون قصر نظر وغيابا تاما للرؤية السياسية. فالدفاع عن الرئيس لايكون أبداً بالتكفير والتهديد والوعيد وتأليب طوائف الشعب علي من يحكمه. بل يأتي عبر انتقاده إن أخطأ مثلما نشد علي يديه إذا أصاب. لتصل الرسالة واضحة للداخل قبل الخارج بأن مصر تغيرت وزمن الديكتاتور قد ذهب إلي غير رجعه. إذا كنا نرفض إهانة الرئيس بنفس القدر الذي نرفض به إهانة أي مصري آخر كان يحلم أن تعود إليه كرامته وآدميته بعد الثورة. فإننا في المقابل لايمكن ان نقبل بوضع قيود علي الاعلام أو ممارسة المزيد من الضغوط علي الاعلاميين. إننا مازلنا في سنة أولي ديموقراطية وأمامنا الكثير من الوقت حتي نتعلم الحرية علي النحو الصحيح ونفهم أن حقنا في النقد مثله مثل حقنا في التظاهر والاعتصام والاضراب عن العمل لايعني الاساءة لأحد أو الاضرار بالغير. وفي نفس الوقت يجب علينا ادراك ان علاج السلبيات المتراكمة لا يمكن ان يأتي بالمزيد من الاقصاء والقهر وتقسيم الوطن إلي طوائف متناحرة ولكن بالحوار والتسامح. حتي لو أصر البعض ان يصم أذنيه ويغلق عينيه. عندما يتحقق ذلك سنحصل علي شهادة الايزو في الديمقراطية ووقتها لن نكون بحاجة إلي مقاضاة باسم يوسف أو غيره. تغريدة: هجوم الشيخ عبدالرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة علي الشيخ السوري الشهير "محمد سعيد البوطي " بعد وفاته سقطة كبيرة في حق عالم له وزنه ومكانته علي مستوي العالم الاسلامي. يا شيخنا الجليل.. لا تخلط الدين بالسياسة. فإسلامنا الحنيف يعلمنا التواضع والحديث بالحسني عن مشايخنا مهما بلغت خلافاتنا معهم خاصة من انتقل منهم إلي الدار الآخرة ولم يعد بوسعه الدفاع عن نفسه.