بين كل فترة وأخري تصدر الأممالمتحدة وثيقة لحماية المرأة. وفي هذه الأيام أصدرت الوثيقة الدولية لوقف العنف ضد المرأة. وقد تحفظت الدول العربية والإسلامية علي أي اشارة إلي حق الاجهاض وكذلك زواج المثليات أو الشواذ. هذه الوقفة من الدول العربية والإسلامية في وجه هذا التيار الذي يتنافي مع المبادئ والقيم الانسانية أدي إلي اضافة مادة لهذه الوثيقة توضح أن تنفيذها يتم طبقا للتشريعات والقوانين الخاصة بكل دولة. وبذلك تم حسم الأمر بحيث لا يتم الاقتراب من القيم الراسخة والمتوافقة مع الفطرة الانسانية التي فطر الله البشر عليها. نتوافق مع العالم في كل ما يخدم الذكر والأنثي بعيدا عن أي مساس بالمبادئ التي تحفظ العلاقات السامية ولا تنزلق إلي أي تعارض مع الشريعة الإسلامية التي حفظت لبنات حواء كل القيم النبيلة التي تصون كرامتها وتمنع أي خروج عليها. ومما يثلج الصدر أن القضايا التي رفضتها الدول العربية والإسلامية انضم إليها 56 من الدول التي شاركت في أعمال الدورة 57 للجنة المرأة بالأممالمتحدة ومن بين هذه الدول الفاتيكان. وكل ذلك يؤكد أن أي مستجدات أو استحداث أي أفكار إباحية لابد من التصدي لها حرصا علي القيم والعلاقات الانسانية التي تقوم علي مباديء تعلي من شأن الانسان بعيدا عن الشطط والغرض والهوي ومحاولة الانفلات عن القيم بأي شكل وتحت أي مسمي. الهدف الأساسي سعادة المجتمعات وحمايتها من الانحراف. مع كل التقدير للأهداف والاغراض التي تعلي من قيمة المرأة في كل شئون حياتها فلقد كرم الإسلام المرأة بصورة ليس لها مثيل في أي تشريعات سواء كانت قديما أو حديثا. حفظ لها كامل حقوقها حتي مجرد النظرة من زوجها إذا تغيرت وأدار وجهه في الفراش بعيدا عنها وفي غير المعتاد صار من حقها أن تطلب الانفصال عنه. حمي كرامتها ومنحها الذمة المالية بعيدا عن زوجها ولها كامل التصرف فيها. إني لأعجب أشد العجب لعدم التفات المشاركين في تلك المناقشات والحوارات في أروقة الأممالمتحدة لهذه المبادئ التي أرسي الإسلام معالمها منذ أربعة عشر قرنا. رغم أن العالم اصبح بمثابة قرية صغيرة وصارت كل المعلومات وما تضمنته الشريعة الإسلامية من سمو ورفعة للمرأة وتقدير لمكانتها ودورها في الحياة العامة والاسرية بصفة خاصة. وكلها أمور متاحة وفي مقدور أي انسان الاطلاع علي كل هذه التعليمات والمبادئ من خلال الغزو العلمي والثقافي الذي تجاوز كل الخطوط الفاصلة. الانترنت وشبكات المعلومات بكل اللغات متاحة لسائر البشر فلماذا غفل هؤلاء المتحاورون في الدورة 57 للجنة المرأة بالأممالمتحدة مع أن الجميع علي قدر عال من الثقافة والمعلومات الغزيرة في كل شئون الحياة أم أنها العنصرية والانفتاح علي كل ما يرضي الغريزة البشرية ويلبي رغباتها المحمومة مثل زواج المثليين والتحلل من القيود التي تحفظ للمجتمع كيانه وعلاقاته السامية. ان الشريعة الإسلامية انفردت بمبادئ وقيم خالدة وحددت القواعد وأرست الضوابط فيما يحفظ للذكر والانثي الحقوق دون طغيان للرجل علي المرأة. مع رفض قاطع لتمييز أي ذكر عن أنثي. وقد كانت المساواة في الأعمال والحقوق المترتبة عليها من القيم الحضارية الخالدة علي مدي الحياة وقد تضمنتها الآية الكريمة في سورة النحل: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" 97 النحل. لا فرق بين رجل وامرأة في العمل والجزاء إنها أعظم مساواة ولا تعرف أي تشريعات أسمي من ذلك. في نفس السورة رفضت القيم الإنسانية أي هدم أو اعتداء أو تقليل من شأن المرأة ووقفت في وجه تلك العادة الذميمة التي كانت منتشرة في الجاهلية قبل الإسلام فقد كان الناس يكرهون الانثي ويعلو وجه الرجل السواد إذا بشر بأنثي ولدت له من زوجته "وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه علي هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون" 8. 9 النحل. وفي سورة التكوير ذم لهذه العادة الذميمة بقتل البنات فقال الحق تبارك وتعالي: "وإذا الموءودة سئلت. بأي ذنب قتلت" ..فهل بعد ذلك سمو أو تكريم ورفعة لشأن هذا الجنس من البشر. إن أي اعتداء علي الانثي مرفوض وصيانة حياتها من أهم القيم التي توفر لها الرعاية الكاملة منذ ولادتها وفي كل مراحل حياتها "ويا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" انها المساواة بافضل المبادئ لكل نوع حقه في الحياة الكريمة. وفي هذا السياق قفزت إلي الذهن واقعة طريفة سجلها التاريخ عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر.. دارت فصولها قبل أن يدخل عمر في الإسلام.. يقول عمر: هناك حادثان تعرضت لهما أما الأول فكلما تذكرته أضحك وأما الثاني فكلما تذكرته أبكي. ويتلخص الحادث الأول في أنني كنت مكلفا بحراسة الإلهة التي كنا نصنعها بأيدينا مرة كأصنام من أي مواد صلبة كالصخر وغيرها واحيانا نعد الإله من العجوة وأثناء الحراسة عندما كان يشتد بي الجوع اتقدم فآكل الإله المصنوع من العجوة فكلما تحضر للذهن هذه الحادثة اضحك من كل قلبي. أما الثانية فقد كانت لدي طفلة وكانت عندنا عادة سيئة وهي دفن البنات أحياء. فقد اصطحبتها إلي المقبرة لأدفنها هناك وأثناء عملية الحفر كانت الطفلة البريئة تسألني هل تعد يا أبتاه مكانا لكي ألعب به فيجيبها بنعم فتطمئن المسكينة والأكثر أهمية ان الطفلة عندما كان الغبار يتراكم علي لحيته كانت تتولي ازاحته بعيدا عن وجه أبيها ولم تدر أن الحفرة تنتظرها لكي تدفن بداخلها. وتم ذلك الأمر. وتم دفن المسكينة. كلما تذكر عمر القصة يبكي. لكن بعدما دخل في الإسلام واستنار بقيمه التي لا تفرق بين ذكر وأنثي. تحريم قاطع لهذه العادة السيئة ورفض لهذا السلوك المشين. إن الإسلام وضع المرأة في مكانة تتضاءل دونها أي مكانة تترامي إلي مسامعنا هذه الأيام مهما يكن أي مصدر لهذه المكانة سواء كانت الأممالمتحدة أو غيرها من الجهات أو الهيئات وفي اطار هذه المكانة السامية جعل المرأة شقيقة الرجل.. حفظ للنوع.. ورعاية كاملة لفصيل انساني محترم له قيمة لا تقل عن الرجل بأي حال من الأحوال وتمتد هذه الرعاية منذ ولادة الأنثي ومستمرة طوال حياتها. لا تتزوج إلا برضاها. حقوقها مصونة تحت سقف الزوجية لا تكلف فوق طاقتها حتي ارضاع طفلها لها كل التقدير. ضمانات بلا حدود حتي في حالة الانفصال. كما أنه لا يحق لأي رجل أن يضغط علي امرأته ليذهب ببعض حقوقها. وفي آيات سورة البقرة تفاصيل هذه الأحكام. ومن يقرؤها يدرك مدي تقدير الدين الحنيف لبنات حواء. حياة بالمعروف أو تسريح باحسان. وفي تنوير لأولي الابصار يذهب رب العالمين ببني الإنسان إلي آفاق السماحة والمروءة ويتجلي ذلك في قوله سبحانه: ".. ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير" 237 البقرة. انها ضمانات وضوابط وتكريم لا مثيل له سواء في هذا العصر أو ما سبقه أو فيما يأتي من بعد ولعل أفضل تكريم للمرأة ما جاء من حقوق للمرأة وليس في الدنيا فحسب وإنما في الجزاء "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذكرات أعد الله لهم غفرة وأجرا عظيما" 35 الاحزاب. إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.