هموم هذه الأيام علي كل شكل ولون إذ لم نكد تستيقظ علي مشكلة تفاجئنا أخري أشد ضراوة ثم تعقبها ثالثة مما يشير إلي أننا أمام مسلسل لا ندري أين نهايته. الأشد قسوة أن المشاكل متشابكة ويبدو أن عقدتها قد استعصت علي أية حلول. المأساة أن المواطن البسيط هو الضحية الأولي لتلك الهموم المتراكمة. ومما يضاعف الأمور أكثر شدة أن أي مواطن أياً كان موقعه أو مصادر دخله لن يستطيع الفكاك من هذه المعضلات. التداعيات أصابت الجميع بالاكتئاب وكأن هذه السلسلة العنقودية قد أحاطت بهم من كل جانب. ولنبدأ بحكاية الضبطية التي طفت علي السطح وصدرت عن النائب العام المستشار طلعت عبدالله.. إعمالاً لنص المادة 37 من قانون الاجراءات الجنائية ودارت حولها مناقشات وحوارات ومحاولات بين مؤيد ومعارض وشغلت الرأي العام ومازالت.. تعقد لها الندوات وتبدو الآراء متضاربة. حقيقة لست أدري من هو العبقري القانوني الذي ازاح الستار عن المادة لاحيائها بعد طوال رقاد. يبدو أن هذا القانون اعتقد أن المواطنين لديهم ثقافة قانونية عريضة تجعلهم يدركون مهمتهم وفقاً لنص هذه المادة. وهل غاب عنه أن لدينا "أمية" تجاوزت 40% من أبناء شعبنا لا يعرفون حتي مجرد القراءة والكتابة. ولذلك وبمجرد أن صدر بيان عن المستشار النائب العام فهم كثيرون أن أي مواطن قد منحه القانون صفة الضبطية القضائية وصار من حقه أن يضبط أي متهم يشك في ارتكابه جريمة وحدث لغط كبير ورغم توضيحات رجال القانون فإن الجدال لا يزال دائراً. الأكثر غرابة أن الجماعات الإسلامية اعتبرت أن هذه مبادرة ولابد من الأخذ بزمامها وتكونت مجموعات وعلي وشك القيام بمهمتها. وفي فض هذه المجادلات والاستعدادات أكد المتحدث الرسمي للنيابة العامة أن البيان الذي صدر عن النائب العام حول مواجهة المخربين وقاطعي الطرق لم يتضمن الضبطية القضائية للمواطنين. وأن الأمر كله يتضمن إعلام المواطن بحقه القانوني في حال رؤية أي متهم متلبساً بارتكاب جريمة أن يقوم بتسليمه إلي رجال السلطة العامة باعتبار أن ذلك حق منصوص عليه في قانون الاجراءات الجنائية. بلا شك فإن هذا الاجراء من جانب النيابة أحدث بلبلة وجدالاً بلا داع لذلك. إذا كان المعتقد أن ذلك سوف يساهم في سد الفراغ الذي نجم عن اضراب رجال الشرطة. خاصة أن اللجان الشعبية قد أدت دوراً مهماً عقب أحداث ثورة 25 يناير نتيجة انسحاب رجال الشرطة من الشارع. لكن يبدو أن الأمر قد اختلط علي هؤلاء إذ أن هذه اللجان كانت بلا هوية وتكونت بصورة تلقائية تختلف عن مجموعات التيارات المختلفة. الأمر كان يتطلب بدلاً من ذلك أن تسعي الحكومة لبحث مشكلة ضباط الشرطة المضربين عن العمل وتدرس كل التداعيات وتقدم العلاج الذي يقضي علي أوجاعهم وذلك بمواجهة صريحة وشفافة وإزالة العقبات التي تعترض مسيرتهم وبذل أقصي الجهد من أجل استعادة ثقة المواطن في الجهاز الساهر علي أمنه ومنشآته. فهؤلاء هم اخوته وابناؤه ومن حقهم ازالة أسباب غضبهم وادراك أن إحياء مادة في القانون لا يمكن أن تسد الفراغ الأمني. الاحتقان بين الشرطة والمواطنين لن تزيل آثاره المادة 37 من قانون الاجراءات الجنائية. النوايا الصادقة لحل مشاكل الشرطة هي لب القضية فإذا توفرت العزيمة انتهت كل العقبات. ويجب ألا يغيب عن الحكومة أن سقوط يعتبر بمثابة سقوط للدولة بكاملها.. ادرسوا التداعيات بكل الأبعاد. وبالتالي سوف تعود الأمور لطبيعتها لكن يبدو أن في الآفاق أمور أخري! أما حكاية السولار.. فقد بدأت متزامنة مع قضية البنزين بأرقامه المختلفة ابتداء من "80" و"92" و"95" وما هي الكميات التي يحصل عليها كل صاحب سيارة بالأسعار المدعمة. وصار الأمر بين شد وجذب ولم تتبلور الأمور بعد. لكن السولار صارت مشكلته حكاية تؤرق الجميع الميكروباصات توقفت واضرابات السائقين مستمرة منذ فترة طويلة. الحلول عبارة عن مسكنات طالما أن الدولار لم يتوفر لاستيراد الكميات التي تلبي احتياجاتنا. النتائج التي ترتبت علي نقص السولار تنذر بمخاطر متعددة في مقدمتها الاشتباكات التي دارت بين سائقي الميكروباص وسيارات النقل العام و"التوك توك" الذي راجت تحركاته في ظل الأزمة. تكسير واعتداءات. وما يصدر عن وزارة البترول وغيرها من الأجهزة لا يوحي بأن هناك حلولاً جذرية لهذه المشكلة. خاصة أن الأمر يتطلب تدبير 5.1 مليار دولار لكي يتم استيراد السولار. وليس الميكروباص وحده لكن المخابز ليست ببعيدة. فالتوقف في انتظارها. ولا يفوتنا أن نقص السولار يتسبب في أكثر من مشكلة.. لعل أهمها رفع أسعار السلع. فالسيارة التي كانت تنقل الحمولة من هذه السلع بمبلغ 150 جنيهاً ارتفع إلي 250 جنيهاً وبالتالي هذه الزيادة يتحملها المستهلك. فهاهو صاحب سيارات النقل يجأر بالشكوي من اهدار الوقت إذ أن السيارات تقف في طوابير لساعات طويلة للحصول علي السولار مما يؤدي إلي تأخير عمليات نقل البضائع. الشكوي بلا حلول ولا يلوح في الأفق أمل قريب! قضايا تضغط علي أجهزة السلطة والحكومة.. ومع الأيام تتصاعد المشاكل في ظل الانفلات الأمني والأخلاقي. وعمليات الاضرابات والاعتصامات والاحتجاجات المتعددة ابتداء من عمال المصانع وحتي الضباط الملتحين. بالإضافة إلي اختلافات الائتلافات والأحزاب والقوي السياسية. الكل مشغول بهمومه ومصالحه بينما لهيب الأسعار وتراكم المشاكل يثقل كاهل المواطن مما يجعله يلعن الثورة التي اصابت الجميع بوقف الحال! الخروج من هذه الأزمات يتطلب أن تبادر كل القوي والتيارات السياسية إلي التقارب والسعي بكل همة لفتح صفحة جديدة بنية صادقة.. ووطنية وشهامة.. والتخلي عن المصالح والأغراض الشخصية والجلوس علي مائدة واحدة. بلا أي نزعات وبقلب وعقل مفتوحين.. ومناقشة جميع القضايا والهموم التي يعيشها الوطن وتحديد الأولويات.. يا حكماء الأمة.. وعقلاء مصر قد حان الوقت لرأب الصدع.. قبل فوات الأوان!