لم يتعلم كغيره من الأطفال الذين هم في مثل عمره.. لم يعرف طريقه إلي المدرسة ولم يحمل حقيبة الكتب علي ظهره.. ولم يمسك قلما ليكتب به في كراسة.. لم يعرف شكل المدرسة أو المدرس. ولم يلعب مع أقرانه في الفناء وقت الراحة. الأسرة أفقر من أن تدفع بطفلها إلي المدرسة.. العيشة ضنك.. والحالة لا تسر عدوا ولا حبيبا.. لا تجد قوت اليوم. وإذا وجدته فبشق الأنفس.. وكان لابد من حل.. بحثت الأسرة عن مخرج لهذا الوضع فلم تجد أمامها الا طفلها عمر صلاح. يا عمر.. بلغت الآن من العمر 13 عاما.. وأنت تدرك أن وضعنا وحالتنا المعيشية تتطلب منك التضحية من أجلنا.. هكذا قالت له الأسرة.. عليك أن تساهم في توفير ضروريات الحياة لنا!! * ماذا أفعل؟! هكذا كان سؤال عمر للأسرة.. نستطيع أن نوفر لك عدة جنيهات تشتري بها "بطاطا" وتجوب بها الأماكن الشعبية تبيعها للراغبين وتربح عدة جنيهات يمكن أن نسد رمقنا أو جزءا منه. عمر توكل علي الله.. وسحب عربة البطاطا.. ورأي أن أنسب مكان يمكن أن تروج فيه بضاعته هو ميدان التحرير والمنطقة المحيطة به حيث يتجمع المتظاهرون والمعتصمون المطالبون باستكمال اهداف الثورة. وفي يوم غابت فيه شمس الحرية والعدالة والأمل.. يوم 13 فبراير الحالي.. يوم كساه الظلم والظلام.. يوم اكفهرت فيه الأجواء واختلطت فيه أصوات المتظاهرين بطلقات الرصاص سقط عمر مضرجا بدمائه في الوقت الذي كانت تتصاعد فيه رائحة البطاطا المشوية من عربته التي حمل عبئها ليالي وأياما طويلة. ذهب الطفل البريء ذو القلب الأخضر للقاء ربه تاركا أسرة قلوبها تنزف دما حزنا عليه.. لم يكن له ذنب فيما جري ويجري.. كل ذنبه أنه فكر بعقل الرجل الناضج ليتحمل عبء أسرة فقيرة جائعة.. فلم تمهله الأيام لينضج جسمه بحجم نضج عقله.. مات عمر. ومات معه الأمل والمستقبل.. وماتت العدالة.. بل ماتت الثورة!! الشهداء الذين سقطوا في طول مصر وعرضها كثيرون.. كل منهم له قصة حزينة دامية.. كل منهم كتب شهادة ميلاد نجاح الثورة.. كل منهم ترك أما ثكلي أو أبا مكلوما أو اخوة حسري محزونين.. لكن يبقي سقوط الطفل عمر بائع البطاطا جرحا عميقا في النفس والقلب.. عمر سقط وسقط معه كل حلم جميل.. أصبحنا نعيش في كابوس دائم لا ندري متي ينزاح عن صدورنا لنفيق علي أمل جديد لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. سقط عمر.. وبقيت عربة البطاطا ليتحول دخانها إلي دموع تبكيه ورائحتها عطر لكفنه.. أدعو لعمر ليتقبله الله مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. الجيش اعتذر في بيان عن مقتل عمر بطريق الخطأ برصاص أحد أفراد القوات المسلحة بمحيط السفارة الأمريكية وتم تحويل المتسبب إلي النيابة العسكرية. لكن ماذا سيفعل الجيش لأسرة فقدت عائلها عمر؟! هل يكفي الاعتذار؟ أم يجب أن يتبعه إجراء لتأمين حياة هذه الأسرة وتعويضها عن مصابها الأليم؟ اعتقد ان الفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي لن يكتفي بمجرد الاعتذار.. بل سيتكفل برعاية هذه الأسرة.. فهذا من شيم العسكرية المصرية. رحمك الله يا عمر.. رحمك الله أيها الطفل الشهيد.. وأرخي صبرا جميلا علي كل أفراد أسرتك.