في يوم الفتح الأكبر .. وضع الرسول أسمي قواعد القيم الإنسانية لا انتقام .. عفو .. حقن للدماء .. هل نقتدي به من أجل مستقبل أفضل؟! حرصت أن أستعرض بعض الجوانب المشرقة لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في يوم فتح مكة خاصة في هذه الأيام ونحن نحتفل بذكري ميلاده صلوات الله وسلامه عليه. كما تجري في نفس المناسبة ذكري مرور عامين علي ثورة 25 يناير. والحوارات والمناقشات في كل الأوساط تحتدم حول بناء الوطن والتطلع إلي مستقبل أفضل وغد أكثر اشراقاً.. الصورة يشوبها كثير من الملابسات والاختلافات في الرؤي مما يوحي بأننا سوف نستمر في هذا الجدال العقيم دون الوصول إلي نتائج تتواءم مع طموحات شعبنا خاصة البسطاء الذين يشكلون الغالبية العظمي من سكان مصر المحروسة. إن أشد مايشغل البال هو أن تكون هذه الاختلافات طريقنا إلي الإصلاح وليس في صالح أي طرف من الأطراف في ظل هذه الظروف الصعبة التي تجتازها بلادنا. الكل يغض الطرف عن كل هذه المشاكل وتبدو نبرة الانتقام في تصرفات البعض ويطل العنف برأسه في كل أركان وطننا المشهود له بالأمن والاستقرار. ويحسن بنا أن نتمثل عظمة أخلاق رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم الفتح فقد كانت مكة تعيش في رعب وهلع لأن هذا الذي طردوه وآذوه وتأمروا علي قتله قد جاء فاتحاً منتصراً يحوط به جيش قوي لا قبل لهم به. توقعوا منه البطش والانتقام لكل ما جري له منذ أن أعلن دعوته في رحاب أم القري. لكن خابت كل هذه التوقعات.. دعونا نتعرف علي خطواته منذ أن بلغ البلد الحرام. لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم رابط الجأش هادئ البال. قوي العزيمة العفو والرحمة تسود كل تصرفاته منذ تحركه من المدينةالمنورة في جيش يضم عشرة آلاف مقاتل. وحين لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب بالجحفة حين خرج من مكة مسلماً ومعه أهله فرح به رسول الله صلي الله عليه وسلم كما استقبل كلا من ابن عمه أبي سفيان بن الحارث وابن عمته عبدالله بن أبي أمية متغاضياً عن ما لقيه من ايذاء قبل الهجرة للمدينة المنورة وحين أنشد أبو سفيان شعراً قال فيه: هداني هاد غير نفسي ودلني.. إلي الله من طردت كل مطرد. بعد أن سمع الرسول هذا الشعر لم يغضب وإنما ضرب أبا سفيان في صدره تعبيراً عن رحمته وعفوه ولذلك أسلم ابن العم وحسن إسلامه ولم يرفع رأسه إلي رسول الله منذ أسلم حياء منه. ليس هذا فحسب وإنما قبل من عمه العباس أن يستقبل أبا سفيان ابن حرب وحين هم عمر بن الخطاب أن يقتله تدخل العباس وأسرع نحو رسول الله فأمره أن يذهب به إلي مكانه ثم يأتي به في الصباح وحين جاءوا في اليوم التالي دار بين الرسول وأبو سفيان حوار. الرسول: ويحك يا أبا سفيان. ألم تعلم أن لا إله إلا الله؟ أبو سفيان: بأبي أنت وأمي. ما أحلمك وأكرمك وأوصلك. ثم صدر منه الاعتراف بوحدانية الله فقال الرسول: ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ أبو سفيان: أما هذه فإن في النفس منها شيئاً. هنا تدخل العباس قائلاً لضيفه: لا بديل إلا الإسلام قبل أن يضرب عنقك في محاولة لإثنائه عن عناده فاستجاب وأسلم. بعد أن نطق أبو سفيان بالشهادتين طلب العباس من رسول الله أن يجعل له شيئاً يفتخر به وسط قومه حين يعود إليهم من الجحفة أو فوقها بقليل. لم يغضب الرسول وإنما بكل سماحة قال: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" إنها عظمة أخلاق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. تغاضي عن كل ما فعله أبو سفيان في مكة من عداء وايذاء. انها رحمة رسول الله. لم تستهوه شهوة الانتقام ولم يغتر بقوته وبجيشه الكبير. إنها انسانية سيد الخلق. نموذج لكل البشر. وقد تجلت عظمة أخلاق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين كانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة فلما مر بأبي سفيان. قال: اليوم يوم الملحمة. اليوم تستحل الحرمة. اليوم أذل الله قريشاً. فقال أبو سفيان يا رسول الله ألم تسمع ما قال سعد؟ فسأله: وماذا قال؟ فأخبره. فقال رسول الله بل اليوم يوم تعظم فيه الكعبة. اليوم يوم أعز الله فيه قريشاً. ثم نزع اللواء من سعد وسلمه لابنه.. أرأيتم كيف واجه الرسول صلي الله عليه وسلم لغة العنف وكانت الرحمة والسماحة هي اللغة السائدة في هذه المناسبة التي سوف تظل نموذجاً للإنسانية المتمثلة في تصرفات رسول الله وقدوة للقادة في كل شئون الحياة. من أجمل المواقف وأكثرها عظمة حين وقف رسول الله بالمسجد الحرام وقد امتلأت الساحة بالقرشيين. وفي لهفة ينتظرون ماذا سيفعل بهم الرسول هنا بدد الرسول كل ظنونهم قائلاً: ماتظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم. اذهبوا فأنتم الطلقاء.. عفو شامل عن الجميع فأي عظمة وأي تسامح أسمي من ذلك؟! الجوانب المشرقة متعددة في هذا اليوم العظيم. فحين طلب علي من الرسول أن تكون للمسلمين الحجابة والسقاية رفض ونادي عثمان بن طلحة الذي تسلم منه مفتاح الكعبة فقال له: هذا مفتاحك. اليوم يوم بر ووفاء. وقد تناسي رسول مواقف سابقة لعثمان حين كان يمنعه من دخول الكعبة يوم فتحها أسبوعياً يومي الاثنين والخميس. انها أخلاق كريمة.. تؤكد تطبيق أسمي قواعد القيم الإنسانية. حيث لم يبد في أي تصرف من تصرفات سيد الخلق في يوم الفتح ما يشير ولو من طرف خفي إلي شهوة الانتقام. أو تصفية حسابات مع من آذوه وتعرضوا له بكل قسوة وشدة. عفا عن الجميع. ترك للبشرية ضوابط ومبادئ لدعم أواصر المحبة والتآلف بعيداً عن التشفي والكيد لمن شارك في ايذائه. تناسي كل الأحقاد البشرية لكي تمضي الحياة آمنة مستقرة وعفا الله عما سلف. تصرفات وعظمة أخلاق تتضاءل دونها الكلمات. ليتنا نستلهم هذه القيم ونحن نعيش حياتنا هذه الأيام من أجل بناء مصرنا من جديد. وليتنا نتخلي عن نبرة العنف والانتقام في حواراتنا ومناقشاتنا وكل تصرفاتنا. ليتنا نلبي نداء الوطن ونبذ الخلافات والتعالي فوق النزعات الشخصية ونبذل أقصي الجهد من أجل العمل والانتاج. وليتنا نغتنم فرصة الاحتفال بمولد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ونقتدي به في يوم الفتح الأكبر. وليت الجميع يتذكر هذه التصرفات والكل يتذكر أحداث ثورة 25 يناير.. إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد. * * * * * * نتدارس سيرة الرسول ونأكل الحلوي حسم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجدال حول الاحتفال بمولد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم مؤكداً أن الاحتفال بمولده بدعة حسنة. وقد حاول البعض إثارة الأقاويل كعادتهم كل عام. وقد ضيق البعض أكثر فأفتني بأن حلوي المولد حرام.. لكن يا سيدي ما المانع أن نتدارس في هذا اليوم سيرة أفضل الخلق ثم نأكل الحلوي. أم أن الفتاوي دائماً جاهزة للحلال والحرام. فهل أنهينا كل مشاكلنا ولم يبق إلا حلوي المولد. أليس الاهتمام بفضائل الأمور التي تسعد الناس في حياتهم أفضل من هذا التضييق؟!