في أول تطبيق للدستور الجديد.. أرست محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية مبدأ مهما لصحيح تطبيق الدستور الجديد لصالح الفقراء والعاجزين عن تدبير نفقات علاجهم بعد أن التزمت الدولة أمام الشعب بعلاج غير القادرين مجانا حيث قضت المحكمة في حكمين بالزام الهيئة العامة للتأمين الصحي بصرف دواء مرتين أسبوعيا للمريضة وفاء حمدي محمد وآخر 3 مرات أسبوعيا للمريضة أميرة محمد عبدالرازق.. وأمرت بتنفيذ الحكمين بمسودتيهما وبدون اعلان.. وبإحالة الدعويين إلي هيئة المفوضين لإعداد تقرير بالرأي القانوني في الموضوع. صدر الحكمان برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين عوض الملهطاني وأحمد درويش و عبدالوهاب سيد نواب رئيس المجلس. كانت المريضة الأولي قد ذكرت أنها أصيبت بتصلبات متعددة بالنخاع الشوكي عن طريق تليف الجهاز العصبي.. وذكرت المريضة الأخري اصابتها بتيبس بالعمود الفقري والتهاب حاد بالمفاصل.. وانها خاطبت قصر الاتحادية برئاسة الجمهورية بعلاجها علي نفقة الدولة إلا ان طلبها تم رفضه. اكدت المحكمة في حيثيات حكمها ان الدولة في نظامها الجديد قد ألزمت نفسها أمام الشعب بموجب المادة رقم 62 من الدستور الصادر في ديسمبر 2012 بأن الرعاية الصحية حق لكل مواطن وتخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج الدولي وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية وخدمات التأمين الصحي وفق نظام عادل عالي الجودة.. ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين.. وتلتزم بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن في حالات الطوارئ أو الخطر علي الحياة.. وهو ما يمثل الحد الأدني من المعاملة الانسانية للمواطن.. وهذا الواجب الدستوري المنوط بالدولة محظور عليها النكول عن القيام به ولا تتراخي في مباشرته بحجة ارتفاع أسعار الدواء وقصور في الموازنة المالية أو غير ذلك من الأسباب إذا ثبت مرض المواطن بتقارير طبية قاطعة من الطبيب المختص بالتأمين الصحي بما يستوجب تراقبا مهما غلا سعره أو تدخلا حاسما يخفف عن كاهل المريض آلامه.. وهو ما يستتبع صرف الدواء الموصوف له في التقارير الطبية حتي يتم شفاؤه. اضافت المحكمة في حكمها ان التزام الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية والتأمين الصحي وفق نظام عادل عالي الجودة يكون ذلك كله بالمجان لغير القادرين.. وانه حتي تصدر السلطة التشريعية المختصة قانونا يحدد من هم غير القادرين فإن المحكمة بحكم ولايتها في تحقيق العدالة تبسط رقابتها في هذا الشأن حتي لا يحرم مواطن مريض من الرعاية الصحية وتتعرض حياته للخطر بسبب تأخر صدور ذلك القانون.. فيكون غير القادر علي العلاج المجاني وفقا لطبائع فطرة الأشياء هو من لا يملك قوت يومه ودخله ثمنا يكفي لتحمل أسعار الدواء وتكلفته لمواجهة المرض الذي ألم به ويشكل خطرا علي حياته متي كان ذلك الدواء حتما للبقاء علي حياته.. ومن ثم فإن المعيار الذي يعتمد به بشأن غير القادرين علي العلاج هو معيار موضوعي لا ينظر فيه فحسب إلي الحالة المالية للمواطن المريض وإنما إلي ثمن وتكلفة الدواء مقرونا بحالة المريض المالية.. وهي مسألة نسبية تختلف من مريض لآخر في حالة علي حده. اختتمت المحكمة حكمها بأن القول بغير ما انتهت إليه المحكمة في مفهوم غير القادرين علي العلاج المجاني من شأنه حرمان جموع كثيرة من غير القادرين من حق الرعاية الصحية.. وقد افرزت إرادة الشعب المصري في الاستفتاء الذي أجري علي الموافقة علي الدستور الجديد ليري النور في عهد يأمل فيه الجميع الحرية والكرامة الانسانية ولا يجوز للدولة تعطيل هذا الدستور في علاج غير القادرين مجانا وإلا فقد النص مصداقيته أمام الشعب فإن لم تلتزم الدولة بمؤسساتها وأجهزتها المختلفة يجعل نصوص هذا الدستور واضحا ملموسا في حياة الشعب خاصة الفقير منه لأضحت تلك النصوص مجرد شعارات نظرية لا تمس شرايين روافد الحياة الواقعية للشعب الذي ظل محروما من أخص وأغلي حقوقه في صحته بالعلاج المجاني لغير القادرين ردحاً طويلا من الزمان.