السباق المحموم لبناء المساجد والكنائس دون حاجة حقيقية يمثل عبثاً وإهداراً لموارد اقتصادية من الأفضل أن توجه إلي تحسين الخدمات والمرافق التي يعاني المواطن من تدنيها بشكل كبير. بهذه الكلمات تحدث علماء الدين والاجتماع والسياسة والاقتصاد مؤكدين أن اقامة دور العبادة واجب شرعاً بشرط أن يكون هناك حاجة تدعو إلي ذلك وعلي الدولة أن تساعد في هذا الأمر إذا ضاق مكان عبادة أصحاب الديانات المختلفة ولكن ليس مطلوباً أن تثار الفتن والمكائد من أجل محاولة البعض صبغ المنطقة أو البلد بطابع ديني معين. قالوا إن بناء دور للعبادة لا يرتادها أحد هي بمثابة اتلاف للأموال بدون وجه حق والمطلوب من الدولة أن تمارس دورها في ضبط هذه المسألة وأن يكون المنح أو المنع طبقاً لشروط واضحة وميسرة تطبق علي الجميع. طالبوا بوجود منظومة تشارك فيها جهات عديدة من أجل توعية المواطنين بأهمية استكمال منظومة الخدمات العامة والمرافق يشارك فيها جميع مؤسسات المجتمع. * حامد أبوطالب عميد كلية الشريعة والقانون سابقاً.. قال إن إقامة دور العبادة أمر واجب شرعاً مادامت هناك حاجة تدعو لذلك سواء للمسلمين أو غيرهم ما دام مكان العبادة قد ضاق بالناس فيجب إنشاء دار أخري لأننا نلاحظ أن دور العبادة عموماً قد تمتليء في بعض الأحيان عن آخرها ويؤدي بعض الناس عباداتهم في الطريق العام ويعطلون مصالح الناس ويمنعون المرور في الشوارع وهنا من الواجب علي الناس أن يسهموا في إنشاء مكان للعبادة وأن تتولي الدولة هذا الأمر وكذلك الحال لغير المسلمين إذا ضاق مكان عبادتهم بهم أو تهدم فمن حقهم أن يقيموا داراً أخري. أضاف : ما أقوله هذا بصفة عامة إلا أن هناك مشكلة تتمثل في الفتن التي تثار بين حين وآخر بدعوي أن فئة معينة تريد صنع المنطقة أو البلد بطابع معين يشير لدين محدد فتنشأ دار العبادة في مكان ظاهر وبارز بقصد لفت أنظار الناس لوجوده بصرف النظر عن عدد المصلين أو المتواجدين في هذا المكان فهنا تكون دور العبادة بقصد الكيد وإثارة الفتن والمشكلات ولهذا أري أنه من الأفضل في هذه الحالة أن تتولي الدولة إقامة دور العبادة لجميع أصحاب الديانات السماوية. يشترط لذلك أن تكون هناك حاجة ماسة إلي إنشاء مكان للعبادة هنا أو عدم إنشاء مكان للعبادة هناك ويجب علينا جميعاً أن نأخذ الأمر بدون حساسية فاذا امتنعت الدولة عن إنشاء مسجد مثلاً ورفضت التصريح بذلك لأنه يقترب من كنيسة أو أن إنشاء المسجد قد يؤدي إلي الاحتكاك مع أهل الأديان الأخري فيجب ألا نغضب مطلقاً من ذلك ونلتزم بالنظام الذي وضعته الدولة. أكد أن بناء دور للعبادة لا يرتادها أحد هي بمثابة إتلاف للأموال بدون وجه حق وعلي الدولة أن تمارس دورها في ضبط ايقاع المجتمع بأن تمتنع عن منح الترخيص بإقامة المسجد أو الكنيسة إذا لم تكن هناك حاجة حقيقية له. أوضح أنه من الأفضل بالتأكيد في هذه الحالة أن تستخدم هذه الأموال في إقامة مستشفيات لعلاج المرضي الفقراء وتخفيف آلامهم أو دور لايواء العجزة والمسنين الذين لا عائل لهم أو حماية الأطفال اليتامي من التشرد أو اقامة مصنع لتشغيل الشباب وحمايتهم من مخاطر البطالة أو مدارس لمحو الأمية وإعداد أجيال قوية قادرة علي مواكبة العصر فكل هذه المشروعات الخيرية صدقة جارية يتحقق فيها قول رسول الله صلي الله عليه وسلم "إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".. فالمقصود هنا بالصدقة الجارية كل أوجه الخير الذي يعود علي عباد الله بالنفع والفائدة بصرف النظر عن دياناتهم وإذا كان الإسلام يقرر أن امرأة دخلت النار في هره حبستها ورجل دخل الجنة لأنه روي ظمأ كلب فبالتأكيد هو أحرص علي الإنسان وحماية مصالحه والدعوة للتسابق بين الناس في تحقيق متطلباته وليس التباهي والتفاخر بأشياء لا تفيد إذا لم تكن هناك حاجة ضرورية لها. الثواب الأكبر * د. رابح رتيب بسطا عضو مجلس الشوري وعضو الأمانة العامة للحزب الوطني يقول : هناك الكثير من الناس يعتقد أن الثواب الأكبر من الله يتحقق من بناء بيوت الله فقط ومن ثم يسارعون إلي بناء المساجد والكنائس وهذا لا ضرر فيه بل ومطلوب بشرط أن تكون هناك ضرورة لذلك ومعاناة من وجود نقص في دور العبادة أما أن يتحول الأمر إلي تنافس بدون داع فهذا مرفوض رفضاً باتاً لأنه خرج من اطار الحاجة الفعلية إلي نوع من المباهاة والتفاخر فمن غير المعقول أن نقبل بأن يتم بناء كنيسة في كل شارع يوجد به مسجد دون أن تكون هناك حاجة حقيقية لذلك وفي المقابل ليس منطقياً أن يسارع البعض بإقامة مسجد لمجرد أن هناك كنيسة موجودة في مكان ما. أضاف أن معالجة هذا التنافس يحتاج إلي نوع من الفطنة والكياسة فالمفروض أن تكون هناك قواعد عامة يتم تحديدها بدقة لبناء الكنائس والمساجد فإذا كانت هناك تيسيرات لبناء المساجد فيجب أن تتمتع الكنائس بنفس القدر من التيسيرات إذا كان هناك مثلا تجمع مسيحي أو تواجد للاقباط في مكان ما ضمن حقهم أن يتم بناء كنيسة لهم لتأدية الصلوات بها واذا لم تتوافر هذه الاشتراطات فالمنطق يقرر أنه لا داعي لبناء كنائس جديدة إذا كانت الاعداد الموجودة كافية. قال إن وجود ضوابط محكمة لهذا الأمر وفي ذات الوقت سهلة وميسرة للجميع سوف يقضي علي كثير من المشاكل التي نعاني منها ويقطع الطريق علي من يريدون الصيد في الماء العكر والأضرار بمصالح الشعب الواحد الذي يمثل نموذجا فريداً للتعايش بين أصحاب الديانات المختلفة علي مر العصور. أوضح أنه اذا توافر الحد المطلوب من دور العبادة لأصحاب الديانات المختلفة فتوجيه أموال أخري إلي هذا الغرض مرفوض وغير مقبول ومن الأفضل في هذه الحالة أن توجه هذه الأموال والنفقات الباهظة إلي إقامة مدارس ومستشفيات وخدمات مختلفة فهذه الأشياء ايضا تفيد الناس جميعا وأثرها لا يقل قيمة عن بناء دور العبادة. أضاف إن هذا الأمر يحتاج إلي توعية الناس بأهمية المشاركة في إقامة هذه النوعية من الخدمات والمرافق وعلي القادرين أن يقدموا القدوة والمثل للمواطن وعلي كل صاحب رأي أن يوجه المجتمع إلي أننا في حاجة ماسة إلي تكاتف المواطنين مع الحكومة لتحقيق نهضة في الخدمات والمرافق فالدولة وحدها لا تستطيع أن تحل كل المشاكل التي يعاني منها المواطن فكلنا نعلم مدي حاجتنا الشديدة إلي وجود عدد أكبر من المستشفيات والمؤسسات التعليمية وليس عدلاً أن نلقي بالأمور كلها علي كاهل الحكومة. أضرار ومنافع * د. عبدالرءوف الضبع "استاذ علم الاجتماع ووكيل كلية آداب سوهاج" يؤكد أن زيادة الشعور الديني والالتزام بمباديء الأديان شيء طيب ومطلوب ولكن بشرط أن يوظف في إطاره الصحيح بمعني أن يمتد بجانب تأدية العبادات إلي المعاملات بين البشر بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس ومن هنا لا يمكن أن نعتبر التسابق في بناء دور العبادة بين أصحاب الديانات المختلفة إذا لم تكن هناك ضرورة من المعاملات الصحيحة ولكنه نوع من المنافسة غير المحمودة التي ينتج عنها أضرار أكثر من المنافع التي تتحقق. أضاف أن هذا السباق في رأيي ليس نابعاً في معظمه عن خلفية دينية ولكن البعض يلجأ إليه كموروثات اجتماعية نشأوا عليها من أن بناء أماكن العبادة من أعظم العبادات وهو كذلك بلا شك ولكن بشرط أن تكون هناك حاجة فعلية إليه وليس من أجل أن تزيد مثلاً دور العبادة الخاصة بديانة ما عن دور العبادة الخاصة بالديانات الأخري أو لكي أثبت أنني الأقوي والاكثر قدرة علي الانفاق. مشروع قومي * د. أحمد عيسي "استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة" يري أن استثمار الأموال المنفقة علي دور العبادة إذا لم تكن هناك حاجة إليها وهي تقدر بمئات الملايين يكون من خلال تبني مشروع قومي يشارك فيه جميع أطياف المجتمع بشرط أن يكون بعيداً عن الجهات الحكومية وتعقيدات الروتين والبيروقراطية ولكن يتولي إدارته مؤسسات المجتمع المدني وأعتقد أن لدينا الكثير منها الذي له تجارب ناجحة في تنفيذ المشروعات.