دأبت بريطانيا علي التدخل في كل كبيرة وصغيرة في الشئون المصرية منذ أحكمت قبضتها علي البلاد وذلك بحجة حماية عرش الخديو توفيق الذي قيل إنه طلب منها أن تأتي لحمايته من انتفاضة أحمد عرابي .. ومنذ أن جاءت السلطات البريطانية إلي مصر وتعليمات قائد الحملة العسكرية والمندوب السامي تتوالي علي الخديو .. فكان عليه طاعة كل الأوامر التي تصدر إليه حتي عندما طلبوا منه إلغاء الجيش المصري. وامتد التدخل بعد ذلك إلي السلاطين والملوك الذين أتوا بعد توفيق. يقول حسن يوسف وكيل ديوان الملك فاروق في كتابه "القصر" إنه بعد أن تم اختيار السلطان فؤاد علي عرش مصر بشهرين أي في بداية عام 1918 قرر تعيين سعد زغلول باشا وزيراً للزراعة وعبدالعزيز فهمي باشا وزيراً للأوقاف ولكن المندوب السامي اعترض علي هذا الترشيح بدعوي أن سعد باشا اشتهر وهو وكيل للجمعية التشريعية بإثارة المتاعب ومعارضة الوزراء .. كما أن عبدالعزيز فهمي ليست له الخبرة الكافية لتولي الوزارة .. وطبعاً انصاع السلطان لأوامر المندوب السامي. وعندما تم اعداد الدستور في عام 1953 قدم المندوب السامي احتجاج حكومته. علي المادة 29 من مشروع الدستور لأنها اعطت الملك لقب "ملك مصر والسودان" وبريطانيا لا توافق علي هذا اللقب وهذه التسمية وامتد احتجاج المندوب السامي إلي نقد تصرفات الملك حيث تري الحكومة البريطانية أن تصرفاته توحي باتجاهه إلي الديكتاتورية والاستبداد في مصر وأنها عندما أعطت جلالته عرش مصر فإنها لم تفعل ذلك لكي تهيئ لجلالته الفرصة لاكتساب امتيازات تتعارض مع النظم الملكية الدستورية ولكن لاقامة نظام دستوري قوي. وعندما مات الملك فؤاد حسم المندوب البريطاني أمر الخلاف بين القوي السياسية علي تعيين مجلس الوصاية اقترح المندوب السامي تعيين الأمير محمد علي توفيق رئيساً لمجلس الوصاية وفي الحال وافقت القوي السياسية علي هذا الاقتراح. وثارت مشكلة اخري بين القصر .. وبين الحكومة الوفدية علي بقاء فرقة القمصان الزرقاء التي أنشأها الوفد وبين الحكومة واحتدم الخلاف بينهما وتدخل المندوب السامي وأقنع النحاس باشا بضرورة حل هذه الجماعة وصدر مرسوم بقانون سنة 1938 بحظر الجمعيات التي تكون لها صورة التشكيلات شبه العسكرية. المهم أن العلاقة بين الملك والنحاس باشا لم تكن دائماً علي ما يرام وكلاهما كان يشكو الآخر لدي المندوب البريطاني وحدث أن كان السفير البريطاني السير مايلز لامبسون عائداً من اجازته في اليوم الأخير من شهر اكتوبر سنة 1937 حتي هرع إليه النحاس باشا شاكياً أمر الملك فاروق وأنه يتدخل في كل الشئون بما فيها الشئون الدينية وأن الملك يتعمد تأخير اصدار المراسيم التي ترسلها إليه الوزارة ومنها علي سبيل المثال تحديد موعد حلف اليمين للنائب العام والمستشارين الجدد .. وفي معظم الأحيان كان السفير البريطاني يستطلع آراء الديوان أو الزعماء ثم يرسل تقريره إلي الحكومة البريطانية لابداء الرأي .. والحقيقة أن التدخل البريطاني كان سافراً ولكن بتشجيع الملك والقصر وأيضاً الزعماء السياسيين. ومرت الأعوام وظهرت الولاياتالمتحدةالأمريكية تحاول أن تلعب نفس الدور الذي كانت تلعبه بريطانيا بعد ثورة 23 يوليو حاولت التدخل في الشأن المصري وعندما رفض عبدالناصر استخدمت أسلوب منع المساعدات والقروض وعندما أنهي السادات الحرب مع إسرائيل عادت المساعدات والاستثمارات الأمريكية تتدفق علي البلاد ومع بداية التسعينيات تدخلت في العراق ودمرته تماماً وتدخلت أيضاً في الشأن الليبي عندما قام بثورته وتم اغتيال القذافي. ومازالت المحاولات الأمريكية تجري لتحل محل بريطانيا مستخدمة سلاح المنح والمنع.