كأن شخصا ما. أو كيانا ما. أصدر قرارا سريا بغلق معظم التجمعات الثقافية الشعبية بالضبة والمفتاح. بعد الثورة!! ففي الوقت الذي انزاحت فيه غمة ثلاثين عاما من القهر والاستبداد . وبدأت كل فئات المجتمع في تنفس الصعداء. ومحاولة المشاركة في بناء الوطن. والإدلاء بالرأي والموقف في صياغة دستور ما بعد ثورة 25 يناير .. نري معظم هذه التجمعات التي تضم آلاف الأدباء. خارج دائرة الوجود السياسي بل لا يكاد ينبض فيها حياة!! هذه النقابات والجمعيات القانونية مثل اتحاد الكتاب ونادي القصة ودار الأدباء ونادي القصيد ورابطة الزجالين وغيرها كان عليها أن تتحول إلي قبلة للمفكرين والمبدعين وتقودهم في كل موقف وحدث للتعبير عن رؤية وطنية واحدة. وللدفاع عن حرية الفكر والتعبير المهددة من كيانات أخري قليلة الوعي. لكن ما حدث أن شيئا ما متعمدا أو غير متعمد قد صرف هذه التجمعات عن الاحتشاد والحشد والمشاركة .. فاتحاد الكتاب الذي لم يرمم منذ عشرين عاما فجأة اجتاحته حمي "الترميم" من أسفله إلي أعلاه. واخرج من الخدمة منذ شهور. ولا نعرف متي يعود مرة أخري إلي ندواته ومؤتمراته وأنشطته. التي لم تكن مزدهرة أصلا. الا في حالات قليلة؟! فلماذا الترميم الآن؟! ألم يكن من الأوفق تأجيل حكاية الترميمات هذه لما بعد الدستور. والالتفات إلي حشد الأدباء وتوعية الرأي العام بما يجري من أحداث ستحدد مستقبل مصر وشعبها طوال عقود قادمة؟!! أما نادي القصة فهو منغلق علي نفسه. لا يعرف طريقه أو يتردد عليه الا عدد ضئيل جدا من أعضائه. قد يقلون عن عشرة أو يزيدون. ويلتفون حول بعضهم في ندوة كل أسبوع ويذهب بعد ذلك كل إلي حال سبيله!! الأمر نفسه يحدث في رابطة الزجالين التي يجتمع أعضاؤها كل أسبوع. ويلقون أزجالهم. ويصفقون لقصائدهم وينصرفون !! ثم إن هناك كيانات أخري علي الورق مثل دار الأدباء التي تحتل مكانا مهما في شارع قصر العيني لن تراه إلا مغلقا!! ونادي القصيد الميت منذ سنين.. وغير هذا من مسميات لا يعرفها معظم المثقفين!! صراعات السبعينيات هذه الحالة يبحث في أسبابها ابراهيم عبد المجيد. فيقول إن نادي القصة قديم جدا .. وكتاب كثيرون انصرفوا عنه. نتيجة صراعات فترة السبعينيات بين يوسف السباعي وكثيرين من الكتاب وخاصة كتاب اليسار. مما أساء إلي سمعة المكان وابتعد عنه كل أديب جديد أو مجدد او تجريبي وكذلك أصحاب المواقف ووجهات النظر التي لم تكن تتفق معه. ما هو شائع ومستقر والانصراف جاء بعد أن عجز الجميع عن تغيير هذا الوضع. وتحول الأدباء إلي الجلوس في المقاهي والشوارع . ولم يعد أحد يسمع بكثير من هذه الكيانات. اتحاد الكتاب يواصل ابراهيم عبد المجيد يعمل بالشكل التقليدي وليس له أي دور سياسي ولا اجتماعي ولاثقافي واسع.. إنه يؤدي الدور النقابي المحدد في صرف المعاشات والعلاج.. وليس من المنطقي في شيء أن يظل الاتحاد تحت الترميم اكثر من اسبوعين او ثلاثة . أما ان يبقي شهورا فهذا أمر غير مقبول.. وفي كل الأحوال لم يعد يشغلنا أمر الاتحاد ولا هذه الكيانات أنا وجيلي. فقد أصبحنا مكتفين بحياتنا الشخصية .. والالتفاف حول هذه التجمعات مسألة تخص شباب الأدباء. وأتمني أن يفعلوا هذا. * ينظر محمد أبوالعلا السلاموني إلي هذه الظاهرة من زاوية أخري فيذكر أن النخبة المثقفة بعد الثورة لم تؤد دورها الحقيقي المفترض.. لأن الثورة نفسها أشعلها شباب مثقف ثقافة علمية وتكنولوجية علي وجه التحديد هذه ثورة القوة الناعمة لمصر .. والمثقفون لم يستثمروا هذه الحقيقة. وبذلك ضاعت الثورة من أيديهم . ومن أيدي الشباب الذين أشعلوها. ولم يعد لهم وجود. وذهب الأمر لصالح كيانات ربما كانت معادية للثورة.. وكذلك فشل المثقفون في تحديد موقف جماعي موحد.. فمثلا أصدر الأزهر وثيقته. وفعلت فئات وجماعات أخري نفس الأمر. أما المثقفون فلم يتمكنوا من إصدار وثيقة تخصهم حتي الآن. يجتمعون حولها . وينسون خلافاتهم الشخصية والصغيرة. خاصة أننا نمر بأخطر مرحلة في تاريخ مصر. وتحديدا مع إصدار دستور جديد. في ظل غياب كامل للمثقفين. وسوف يصدر بوجودهم أو عدم وجودهم!! إنني أدعو يؤكد السلاموني من خلال "المساء" إلي تجميع كل القوي والكيانات الثقافية هذه حول قضية وطنية واحدة.. فالمخاطر الكثيرة تهددنا جميعا. بعد إحراق الكتب. وتهميش مؤسسات الثقافية. والهجوم علي الإبداع . ومحاولة سجن الفنانين. ديكور!! * يعيد فارس خضر هذه الظاهرة إلي جذورها الأولي. فيذكر أن النظام السابق حول كثيرا من هذه الكيانات إلي ديكور. ومؤسسات كرتونية لا تفعل شيئا إلا تلميع صورة النظام المستبد. والتأكيد علي أنه "نظام مؤسسات"!! ولم يكن لها دور سوي دعم الطاغية الديكتاتور .. وأحد اعضاء مجلس ادارة الاتحاد يتحدث معي بدون خجل قائلا : كلنا كنا مع مبارك!! ونحن نذكر مثلا أن كتابا صدر متضمنا المدائح التي قيلت في حسني مبارك. عن هيئة الكتاب. وقد كتبها شعراء معروفون عقب حادثة أديس أبابا!! ما الذي حدث من تغيير مثلا في اتحاد الكتاب بعد الثورة؟! هكذا يسأل فارس لا شيء تقريبا .. حوإلي 98% من الأعضاء يمثلون العهد القديم.. وفي الاتحاد يصدرون بيانات شكلية توحي بأنهم ديمقراطيون بعد الثورة!! وكأننا لا نعرف تاريخ كل منهم!! ولتعرف مدي تواصل هذه التجمعات مع المجتمع وتأثيرها فيه.. يمكنك أن تقف بجوار اتحاد الكتاب أو نادي القصة أو دار الأدباء وتسأل عنه أي مواطن.. إنه لن يعرفه!!! يخرج أحمد الجنايني اتيليه القاهرة من هذه الحسبة!! بصفته أمينا عاما له.. ويقول إننا انجزنا في الاتيليه ما نسميه "الدستور الثقافي" واجتمعنا لمناقشة منذ اسبوع بحضور عدد كبير من الأدباء منهم: بهاء طاهر وعز الدين نجيب وأحمد إسماعيل وعبلة الرويني .. كما أقمنا احتفالية كبري بذكري نجيب محفوظ ولا يمر أسبوع بدون ندوة أو احتفالية. بالاضافة إلي احتضاننا ندوات جمعيتي إحياء تراث سيد درويش وفريد الأطرش. أما هذه الكيانات الأخري فلا اسمع أي شيء عنها وعن انشطتها. بل اسمع لأول مرة أن هناك شيئا اسمه "نادي القصيد" ذلك رغم أنني متابع جيد للواقع الثقافي.. وقد حضرت منذ شهرين مؤتمرا للجمعيات الثقافية أقامته هيئة قصور الثقافة. وقدموا لنا كشفا بأسماء هذه الجمعيات المسجلة قانونا . كان في أربع ورقات بأسماء لا وجود لها في أرض الواقع الثقافي علي الإطلاق!!