كان خطاب مبارك الثانى فى الأول من فبراير عاطفيًا جدًا، فخرجت مظاهرات مؤيدة له، وبكى البعض.. ليس عليه وإنما على العشرة الطويلة. كادت الثورة تنتهى، لكن سوء تقدير وغباء المحيطين بالرئيس المخلوع، أنهت كل شىء ب "موقعة الجمل" فى اليوم التالى. استعجل جمال مبارك الحكم على الأحداث، فبعث رسالة إلى وليم هيج وزير الخارجية البريطانى يعاتبه على سوء تقدير الموقف قائلا "لعلك ترى الآن أن الشعب معنا". أنس الفقى هو الآخر سار على الدرب فأمر كاميرات التليفزيون بتصوير المسيرات المؤيدة وعرضها على مختلف القنوات المصرية، مما استفز الثوار فى ميدان التحرير، الذين كانوا قد هدأوا قليلاً بعد الخطاب العاطفى. لا يعرف صاحبنا على وجه التحديد من وراء موقعة الجمل.. لا شك أنه من أنصار النظام السابق، وأن أصحاب هذه الجمال والخيول المصابة بالأنيميا والتى جاءت من منطقة الهرم لم يعلموا أنهم ذاهبون إلى ميدان حرب، حتى أن بعضهم صرخ أثناء دقيقة ظهورهم فى الميدان: لم نأت إلى هنا لنموت! من الواضح أنه قيل لهم إنها مسيرة من أجل السياحة، فلم يكن معهم أسلحة بيضاء أو سيوف، وبدا الوضع لمن شاهده عبر شاشات التليفزيون استدعاءً للغزوات القديمة. دقيقة موقعة الجمل خلفت خسائر معنوية هائلة لمبارك وأنهت كل شىء، فردد أحد القادة العسكريين البارزين: "قضى الأمر الذى فيه تستفيان". لماذا لم تمنع قوات الجيش التى كانت تحرس الميدان دخول الجمال والخيول؟!.. يرى صاحبنا أنه ربما انطلت عليهم الخدعة الإعلامية بخروج مسيرات شعبية جارفة تأييدًا لحسنى مبارك، فوجدوا من غير المناسب منعها. ساءت الأوضاع للغاية وأضحت أيام النظام معدودة.. الأعباء باهظة التكاليف مع كل دقيقة تمضى بدون اتخاذ قرار حاسم من مبارك. كانت هناك عقبة كبيرة تحول دون اتخاذ قرار التنحى متمثلة فى جمال ووالدته.. الطرف الأهم المتمثل فى الجيش حزم أمره فيما يبدو على ضرورة أن يستجيب الرئيس المخلوع لمطالب ميدان التحرير. يوم العاشر من فبراير ومنذ الصباح حاول صاحبنا بكل جهده وعلاقاته مع المحيطين بمبارك أن يمنع وقوع كارثة. تم إذاعة البيان الأول للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولم يكن النظام يعلم عنه شيئا، فاتصل أنس الفقى بعبداللطيف المناوى، رئيس قطاع الأخبار فى التليفزيون غاضبًا، وبعده اتصل زكريا عزمى صارخا ومهددا، لكن المناوى قال للاثنين إنه لا يستطيع منع ذلك، فالجيش موجود فى المبنى وضباط دخلوا وشغلوا الشريط. جلس صاحبنا مع أنس الفقى وثيق العلاقة بالقصر ليطلب منه خروج الرئيس إلى الشعب فى أسرع وقت معلنا تنحيه، ومستدعيا من تاريخه مواقفه الشجاعة فى حربى 67 و73 وما أداه من خدمات خلال سنوات حكمه الثلاثينية. كتب الفقى رءوس أقلام ما تلاه صاحبنا عليه، ثم ذهب إلى القصر ليكتب الخطاب الذى سيسجله مبارك على أقصى تقدير قبل الرابعة عصرا، لكن الأمر استغرق ساعات طويلة. وعندما جاء وقت التسجيل ظهر الجميع مرتبكا، فجمال على سبيل المثال ظل يغير من مكان أوراق الخطاب ثم يعيدها إلى المكان الأول محاولا تذكر كيف كانت فى الخطابين السابقين، واستغرق ذلك وحده نحو عشر دقائق. وإلى الغد... [email protected]