عود على بدء، نشرت المصريون الإلكترونية مقالا لكاتب السطور تحت عنوان:«الوسط إلى أين ؟»، وذلك قبيل الثورة بشهر تقريبا (28/12/2010) ، جاء فيه:« لا أعرف مشروعا إصلاحيا فى حدود علمى كان من الممكن أن يكون واعدا على طريق التغيير والإصلاح والتطوير خاصة فى مثل هذه الأيام الفارقة فى تاريخ مصر مثل مشروع: حزب «الوسط» والتى انطلقت فعاليات المحاولة الأولى ضمن أربع محاولات لتأسيسه يناير1996؛ وذلك بغرض كسر جمود الحركة الإسلامية ، وتطوير الأداء السياسى والإدارى والتنظيمى لها،وللحركة السياسية المصرية؛على نحو ما ذهب إليه المهندس أبو العلا ماضى رائد المشروع ووكيل المؤسسين عقب المحاولة الأولى للتأسيس ». ثم ذكر المقال بعض الارتهانات التى رأى كاتبه أنها أثرت بالسلب على مسيرة الحزب وكان أخطرها فى رأى الكاتب حالة « المسّ الإخوانى» التى أصابت الحزب بسكتة دماغية معبرا عن ذلك بالقول :«على أن أخطر هذه الارتهانات على مصير المشروع الواعد هو ارتهان الاستقلال الفكرى والثقافى والروحى لبعض قيادات ومؤسسى جماعة الوسط بحالة شديدة الحرج من :«المس الإخوانى » تتحول معها جماعة الإخوان فى مخيلة البعض إلى :« غول » طلعه كأنه رؤوس شياطين ،وثانى اثنين إلى جانب الحزب الوطنى تعطلت بهما رخصة حزب الوسط والحياة السياسية فى مصر فى مزاوجة ظالمة خاطئة بين الضحية والجلاد !.» تلك الحالة التى تجلت بدورها أكثر ما تجلت فى السلوك المضطرب للسيد نائب الحزب الذى اقترب أو كاد لعقد محاكم تفتيش لجماعة الإخوان المسلمين ولمن ينزلهم منزلتهم ،على نحو ما فعله مع كل من السيدين المحترمين الدكتور حسن نافعة والدكتور عبد الجليل مصطفى داخل أروقة الجمعية الوطنية للتغيير وعلى صفحات جريدة الدستور؛ذلك لأنهما قاما دون استئذان سيادته بزيارة مكتب الإرشاد للتشاور فى مصالح الوطن وكأنهما قاما بزيارة مكتب للموساد !! وأضاف المقال :« حالة «المس الإخوانى» هذه هى ذات الحالة التى ضربت عقول وقلوب أعضاء جماعة العلمانيين والليبراليين الجدد ،فغاب الإنصاف وساد الاعتساف إلى حد يكاد يصل بالبعض ممن أصابه :« المسّ » ،إلى :تحميل جماعة الإخوان المسئولية عن «ثقب الأوزون» ، و«الاحتباس الحرارى»، ورفض أمريكا التوقيع على اتقافية «كيوتو»!! وهى لا شك حالة خطرة يصعب تشخيصها بين دهاليز السياسة أو الاعتراك السياسى بقدر ما تكمن أسرارها بين دهاليز النفوس والنوايا والمقاصد المدخولة التى لا يعلم مساربها إلا الله !! » وختم المقال :« بأن مستقبل دور جماعة الوسط الواعد بإذن الله فى تطوير أداء الحركة الإسلامية من ناحية وإصلاح أحوال مصر من ناحية أخرى مرهون:بحكمة التناول والتعاطى والمراجعة وإعادة النظر من قبل حكماء الوسط : قيادات وأعضاء وهم كثير مع تلك الارتهانات وغيرها بصفة عامة وارتهان «المسّ الإخوانى» بصفة خاصة،وكذلك مع «طموح» أو «جموح» ممثلها الحالى فى الجبهة الوطنية للتغيير ..وبصورة تليق بكل ماهو:« وسط ». وقد جاءت معظم التعقيبات آنذاك عبر التفاعلى والبريد الاكترونى والهاتف من كثير من الشخصيات المحترمة من مؤسسى حزب الوسط ،جاءت فى معظمها متوافقة مع معظم ما طرح فى المقال ،بل أكد بعضهم أنها « فى الصميم »،واللافت أن معظم التعليقات كانت تتسم بالانضباط والحكمة ودماثة الخلق التى لا تتناسب مع حالة الصراخ الدعائى والصخب الإعلامى والاستعراض الكاذب للعضلات التى تغلب على أداء السيد نائب الحزب حتى الآن، الأمر الذى يشير على مايبدو إلى أن الغلبة فى الحزب ذهبت لمن أتاه الله بسطة فى الصوت والجسم،أو أن توجهات القيادة لا علاقة لها بتوجهات الأعضاء الأمر الذى قد يؤشر إلى مستوى الأداء الديمقراطى فى« الوسط »!! . والآن وبعد تأسيس الحزب فى (19/2/ 2011)بفضل الله أولا ثم بفضل الثورة،وبعد أن تمنى وتوقع أصدقاء الحزب ومحبوه تغيّرا فى أداء الحزب ورموزه بما يتناسب وروح الثورة تجاه شركائهم فى الوسطية أولا والمرجعية الإسلامية ثانيا والأداء الديمقراطى الحضارى ثالثا والملاك الأصلاء لمشروع الحزب رابعا.لم يتخلص الحزب من حالة «المسّ الإخوانى» التى انتابته ولم يتخلص من عباءة الشخصنة حيث ارتدى عباءة نائبه ولم يرتد النائب عباءة حزبه ،حتى قال بعضهم حزب فلان ولم يقل فلان نائب الحزب ،الأمر الذى لم يعد يخفى على كل من رصد الأداء الصاخب والهيستيرى من قبل السيد النائب تجاه شركاء الطريق والمرجعية إلى جانب تضاؤل الحزب المؤسسة أمام الاستعراض والشخصنة والنتائج الأرضية التى لا تتناسب مع حجم الاستعراضات الفضائية!!. لم تزل حالة «المسّ الإخوانى» تشغل حزب الوسط ورموزه بعيوب الجماعة التى لايخلو منها تجمع بشرى عن نفسه وعن عيوبه وعن مواطن الخلل الجسيم داخل مؤسساته والتى لا تخلو من حزب. ماالهدف وراء الثرثرة الفارغة التى أثارها السيد رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوسط يوم الاثنين ( 23/1/2012) يوم انعقاد أولى جلسات مجلس الثورة الأمر الذى نال من بهجة العرس الذى انتظرناه جميعا؟ ما الرسالة التى أراد نائب حزب الوسط الهمام أن يحرّرها ؟ وإلى من أراد أن يرسلها ؟عندما عكّر على ملايين المصريين المشهد الافتتاحى للعرس الديمقراطى الذى انتظروه منذ عشرات السنين بإصراره الغريب والمريب على أن يتحدث كل نائب مرشح لرئاسة مجلس الشعب بالمخالفة الصريحة للائحة المجلس عن نفسه لمدة دقيقتين لنواب المجلس الذين يعرفون جيدا من هم المترشحون لرئاسته. هل أراد توجيه رسالة إصلاحية لجماعة «الإخوان المسلمين» وللحزب الذى أسسته؟،هذا لا يقوم به عاقل ولا يصدقه عاقل ؛لأن مثل هذه الرسائل ليس هذا مكانها أو زمانها،فالمجلس دوره تشريعى ورقابى يهدف إلى تحقيق مصالح الشعب،وهذا مضمون رسالة التزيّد الواضح التى وجهها السيد نائب الحزب للسيد رئيس مجلس الشعب ليخطره بأن المجلس دوره للتشريع وليس للبيانات !! وكأنه جاء بما يخفى على الأولين والآخرين،فهذا مايعلمه العامة والخاصة وهذا ما تم التعاقد عليه تصويتيا بين الشعب ونائبه،وهذا ماخالفه السيد النائب فعلا ،فالناخبون لم يمنحوه النيابة عنهم إلا ليعتنى بمصالحهم التشريعية والرقابية لا ليتفرغ للاستعراض أو المشاغبة من أول يوم على غيرهم أو تصفية حسابات شخصية لا شأن لمن انتخبوه بها. كما أن من خبر جماعة الإخوان جيدا مثل نائب الوسط يعلم أنهم لا ينتظرون مثل هذه الرسائل من أحد ؛ فضلا عن أنهم يرون أن الأولى بتطوير وإصلاح الإخوان هم الإخوان أنفسهم ،وهم لا يعدمون القيادات ولا «الديناميات» التى تمكنهم من هذا بالإضافة إلى أن ما نعاينه من مستوى ثقة الجماعة بنفسها وبمنهجها يجعلها على الأغلب عصية على النقد خاصة إذا جاء من منشق أو مفارق أو خصيم. ولو كانت الرسالة إصلاحية فالأولى بها هو حزب الوسط الذى تحتاج أحواله إلى إصلاح وترميم عاجل ،بدلا من أن يشغل نفسه بتوجيه رسائل إصلاحية للآخرين ؛فيكون مثل الذى انشغل كما قيل من قبل بالقذى فى عين أخيه ولم يلتفت إلى الخشبة فى عينيه ،أو مثل الذين انشغل بذب الذباب عن وجه أخيه والعقارب تتسلل من تحت ثيابه؛ ذلك لأن النتائج التى حصل عليها أول حزب تأسس بعد الثورة وبعد 16عاما من خروجه إلى الفضاء المجتمعى والسياسى والإعلامى والدعائى الذى صحب عملية استراق الحزب اسما وفكرا من جماعته الأم ، هى نتائج تحتاج إلى وقفة جادة وصادقة ، بل قاسية مع النفس ،قد يكون من شأنها استقالة الهيئة العليا أسوة بحزبى الكرامة والغد ،والنظر فى الأسباب والعوامل التى أدت إلى النتائج التى لا تتناسب مع مابشّر به الحزب نفسه وأعضاءه والشعب ، فقيادات الحزب توهمت للحزب حجما كذبته النتائج بعنف ؛ فضلا عن كون الممارسات الديمقراطية داخل مؤسسات الحزب لم تأت بجديد على الساحة. قيادات ورموز الحزب أعطوا لأنفسهم حجما أكبر بكثير مما حصلوا عليه ،ولأن الحزب مثله مثل معظم الأحزاب السياسية المصرية تغيب عنه الشفافية والديمقراطية بصورة أو بأخرى، فأسلوب تعيين الأمناء فى المحافظات وكذا أسلوب اختيار المرشحين لا علاقة له بالاختيار أو الانتخابات إنما كلها تعيينات مباشرة. والغريب أن غياب الأداء الديمقراطى هو شأن كل أو معظم المفارقين لجماعة الإخوان المسلمين ، فما يقال فى شأن الوسط يقال مثله فى حزب النهضة وكذلك حزب الريادة أو ما سمّى زورا وبهتانا جبهة المعارضة، وهى ظاهرة تحتاج فعلا إلى مراجعة عميقة ودراسة دقيقة. وللأسف الشديد فإن شأن كل أو معظم من انشق عن الجماعة هو الانشغال المرضى بانتقاد الجماعة وسلوكها السياسى أو التنظيمى ،بأكثر مما ينشغل بعيوبه أو تطوير نفسه أو حزبه أو جماعته التى انشق بها أو معها !،وقد يصل الأمر ببعضهم إلى انتقاد الإخوان على سلوك كان ينصحهم هو به ،وأصبح من النادر أن تجد اثنين يجتمعان إلا وكان التناول غير الأمين غالبا وغير المسئول لشئون جماعة الإخوان أحد الموضوعات المتضمنة بقصد أو بدون. ففى حالة النائب المحترم نائب الوسط ،تجده يعيب على الحرية العدالة أن حسم لنفسه مرشحا للرئاسة داخل المجلس ،وعندما سأله الأستاذ أيمن الصياد عن ال87 صوتا التى حصل عليها ، قال : المؤكد أن منهم العشرة الذين يمثلون حزب الوسط ،فابتسم أيمن الصياد وقال له: ولماذا تعيب على الحرية والعدالة هذا السلوك !. وهى مفارقة مدهشة حيث حرم على أعضاء الحرية والعدالة الانسياق وراء مرشحهم فى حين أحل الانسياق وراءه من قبل أعضاء حزبه ،ومن حقنا أن نتساءل عن الآلية التى تتبعها الحزب لترشيح نائبه لرئاسة مجلس الشعب ،هل كان قرارا فوقيا ،أم شارك فيه المعنيون ،هل شارك فيه النواب أصلا ؟ ويعلم كل من كان قريبا من كل من السيدين : رئيس المجلس و السيد نائب الحزب أن تقييم الأداء الديمقراطى الحضارى الأخلاقى الشورى لكل منهما داخل أروقة حزبه يأتى بالقطع لصالح الأول ، فكل من يعاين حوارات الثانى يدرك أنه لا يطيق أن يشم رائحة مخالفة من محاوره لما يقوله أو يتصوره،وكذلك المقارنة بين الأداء الديمقراطى داخل كل من الحزبين الحرية والعدالة والوسط يأتى لا ريب لصالح الأول على ما به من قصور، وإذا كان لابد أن يتعلم أحد الحزبين من الآخر فعلى الوسط أن يفعل ،وعلى من يزعم أنه لا وجه للمقارنة بين جماعة الثمانين عاما وحزب ال16 عاما ،عليه أن يعلم أن ما حققته الجماعة خلال الخمسة أعوام الأولى بعد التأسيس (1928) يفوق بمراحل ما حققه الحزب خلال عمره كله وذلك رغم الطفرة الجبارة فى عالم ووسائل الاتصال الإعلامى بين عامى : (1928) و (1996). الجزء الأول : مازالت له بقية. [email protected]