افتتح السيسى مشروع المليون ونصف مليون فدان فى واحة الفرافرة وسط احتفالية إعلامية مع القمح الذى يجرى حصاده فى خمسة آلاف فدان .لم تظهر حتى الآن دراسة جدوى للمشروع ،فى الوقت الذى يصر الصندوق الاجتماعى للتنمية على تقديم دراسة جدوى حتى بالنسبة لأى مشروع صغير يراد تمويله .والتحذير واجب هنا ، فمشروع توشكى نموذج للمشروعات القومية الفاشلة مازال ماثلا أمامنا بسبب أنه لم يبن على أساس دراسة جدوى ، كما أن مشروع التفريعة نموذج آخر وهو يواجه الآن ظروفا تعصف به كانت متوقعة حتى قبل تنفيذه .ولا أعرف لماذا يصر حكام مصر على أخذ صور لهم بينما يقفون فى مزارع القمح فى الصحراء ، عبد الناصر ، السادات ، مبارك ، مرسى ، السيسى .ربما هى عقدة الصحراء ، ومنذ الستينات غنى عبد الحليم وصلاح جاهين "ياصحرا لمهندز جاى" ، و"نفوت على الصحرا تخضر" ، ربما لأن 94% من أرض مصر صحراء جرداء ، وهناك دائما التحدى لاختراقها ، وكانت تجربة مبارك نصف فاشلة فى النوبارية ، وفاشلة فى توشكى ، وتجربة السادات فى الصالحية لا تقل فشلا . أما وقد اتضحت معالم أزمة الشح المائى التى تواجهها مصر فى ضوء تأثيرات سد النهضة والتغيرات المناخية ، فينبغى التفكير مرتين قبل التوجه إلى زراعة الصحراء المكشوفة تحت درجة حرارة لا تقل عن 50 درجة مئوية سوف تزداد ارتفاعا مع التغيرات المناخية ، ومعروف أن مصر من أكثر بلاد العالم جفافا.لقد أطلق على مصر أنها "بلد زراعى " لأن الحضارة الزراعية بدأت منذ فجر التاريخ المكتوب على أرضها ، وصدرت القمح إلى البلاد المجاورة منذ حكم النبى يوسف عليه السلام، كما صدرت القطن حديثا إلى المصانع الانجليزية أيام الاستعمار البريطانى لمصر .أما الآن فتقبع مصر على قمة الدول المستوردة للقمح فى العالم كما أصبحت دولة مستوردة صافية للقطن . فالوضع الآن مختلف تماما ، فلا يصح أن نهدر ما تبقى لمصر من مياه سواء ما سوف تمن به علينا إثيوبيا من مياه النيل أو من المخزون الجوفى ،وخاصة أن السكان المصريين يتزايدون ويتوقع أن يصل عددهم بنهاية القرن إلى 300 مليون نسمة.يقولون أن من ضمن أهداف المشروع زيادة الصادرات الزراعية المصرية ، وهذا والله لخطأ جسيم ، فمصرتنتج حاليا ما يقرب من 30 مليون طن خضر وفاكهة سنويا وتصدر منها 10% فقط ، فما الجدوى إذن من إنتاج المزيد منها ؟وكيف نصدر منتجات طازجة تستنزف مياها كثيرة فكاننا نصدر الماء.؟.ويقولون أن المشروع سيجعل مصر تكتفى ذاتيا من القمح ، وهذه لعمرى فرية أخرى ،لأن المستثمرين لن يزرعوه فى الصحراء وهم يعلمون أنه محصول تقليدى غير مربح ولا يغطى التكاليف العالية لزراعته فى الصحراء على المياه الجوفية من أعماق بعيدة تصل إلى 1200 متر.فالمستثمر يريد أن يربح ، بل يريد أن يربح كثيرا ، ولا يهمه أن يتحقق الأمن الغذائى إذا كان ذلك على حساب أرباحه .ولا يغرنك إقبال المستثمرين الخليجيين على حجز مساحات شاسعة فى أراضى المشروع ، مرة أخرى لأن درس توشكى ماثل أمامنا، فماذا أنجزت هناك الشركات السعودية والإماراتية ، إلا أنهم زرعوا البرسيم الحجازى وحزموه فى بالات وصدروه للخليج باستخدام أراض أتاحتها لهم الحكومة بكامل بنيتها الأساسية بتمن رمزى للفدان 50 جنيها وأتاحت لهم مياه النيل العذبة من بحيرة السد العالى مباشرة ب 400 جنيه للفدان ؟.ويقولون أيضا أن المشروع سيخلق مجتمعا عمرانيا جديدا يستوعب الملايين من سكان الوادى القديم ، وهاذا أيضا غير صحيح ، لأن المزارع الاستثمارية الواسعة المزمع قيامها ، تعتمد على الميكن الزراعية أكثر مما تعتمد على العمل البشرى .أما بالنسبة باستفادة الشباب وتخصيص 20% من أراضى لهم تحت سيطرة المستثمرين أ فالمساحة الإجمالية المخصصة لهم 300 ألف فدان تستوعب 60 ألف شاب بمعدل خمسة أفدنة لكل شاب ، ولا يمثل هذا العدد أكثر من 1.5% من الحجم الكلى للبطالة فى مصر .فماذا بقى إذن من أهداف المشروع ؟ راجعوا أنفسكم يرحمكم الله ويرحم مصر. * استاذ الاقتصاد الزراعى – كلية الزراعة – جامعة القاهرة