قائمة كليات يشترط القبول بها اجتياز اختبار القدرات    وزارة التموين: احتياطي القمح يكفي 6 أشهر والسكر التمويني 20 شهرًا    محافظ المنيا يُشكل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة لضمان وصولها لمستحقيها    زيلينسكى يصل بروكسل لتوقيع ثلاث اتفاقيات أمنية    انطلاق مباراة الجونة ومودرن فيوتشر بالدوري    السيطرة على حريق شب داخل شقة سكنية بدار السلام    "تريلا" أطاحت به.. وفاة وإصابة 14 في انقلاب ميكروباص بالبحيرة (صور)    محافظ الإسكندرية ووزيرة الثقافة يفتتحان معرض كتاب الكاتدرائية المرقسية    محافظ الغربية يتابع ملف التصالح على مخالفات البناء ويوجه بتبسيط الإجراءات على المواطنين    رئيس هيئة الرعاية الصحية يكرم المتميزين في تطبيق أنشطة اليقظة الدوائية    قرار جمهوري بإصدار اللائحة التنفيذية للهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء    توقيع الكشف على 1080 حالة خلال قافلة طبية بمركز مغاغة بالمنيا    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة إلى 37 ألفا و 765 شهيدا    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    الفاو تحذر من ارتفاع خطر المجاعة فى جميع أنحاء قطاع غزة    برلماني: ثورة 30 يونيو تمثل علامة فارقة في تاريخ مصر    بيراميدز يتخذ قرارًا جديدًا بشأن يورتشيتش (خاص)    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    فرع جديد للشهر العقاري والتوثيق داخل مجمع النيابات الإدارية بالقاهرة الجديدة    انفراجة في أزمة صافيناز كاظم مع الأهرام، نقيب الصحفيين يتدخل ورئيس مجلس الإدارة يعد بالحل    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    بالصور.. محافظ القليوبية يجرى جولة تفقدية في بنها    «إعلام القليوبية» تنظم احتفالية بمناسبة 30 يونيو    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان أحمد بدير خلال دورته ال 17    وفاة الفنان العالمي بيل كوبس عن عمر يناهز ال 90 عاما    داعية الباحثين للمشاركة.. دار الكتب تعلن موعد مؤتمرها السنوي لتحقيق التراث (تفاصيل)    الجمال ‬‬بأيدينا    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    هل استخدام الليزر في الجراحة من الكيِّ المنهي عنه في السنة؟    الزراعة: مناخ مصر حار ولم يتغير منذ 1000 سنة    مديرية الطب البيطري بالشرقية تنظم قافلة علاجية مجانية بقرية بني عباد    إصابة 8 أشخاص بضربات شمس إثر ارتفاع درجة الحرارة في أسوان    الشعب الجمهوري بالمنيا يناقش خريطة فعاليات الاحتفال بذكرى 30 يونيو    كيف سترد روسيا على الهجوم الأوكراني بصواريخ "أتاكمز" الأمريكية؟    أستاذ علوم سياسية: الشعب الأمريكي يختار دائمًا بين رئيس سيء وأخر اسوأ    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    مصدر أمني يكشف حقيقة سوء أوضاع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    اللواء محمد إبراهيم الدويرى: التحركات المصرية فى القارة الأفريقية أساسية ومهمة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    مقتل وجرح عدد من الفلسطينيين فجر اليوم إثر قصف إسرائيلي استهدف 5 منازل سكنية في حيي الصبرة والشجاعية شمال قطاع غزة    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    أسعار البنزين اليوم مع اقتراب موعد اجتماع لجنة التسعير    طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار    «هو الزمالك عايزني ببلاش».. رد ناري من إبراهيم سعيد على أحمد عفيفي    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    عجائب الكرة المصرية.. واقعة غريبة في مباراة حرس الحدود وسبورتنج    خالد الغندور: «مانشيت» مجلة الأهلي يزيد التعصب بين جماهير الكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توشكى وإعادة الإحياء بشروط جديدة

ضمن خطة الدولة لإطلاق عدد من المشروعات الكبرى، تجري عملية جدية لإعادة إحياء مشروع توشكى. ويثير هذا الأمر وإعطاء الحكومة مهلة ثلاثة أعوام لحائزي الأرض لزراعتها وإلا تم سحبها، الكثير من التساؤلات حول جدوى هذا المشروع مجددا.
وكانت الحكومة قد وعدت عند بداية المشروع باستصلاح 3.4 مليون فدان ونقل كتلة سكانية قدرها 3 ملايين نسمة. لكن تلك الوعود تلاشت سريعا وتراجعت المساحات التي سيتم استصلاحها إلى 540 ألف فدان. ومع إنفاق نحو 6 مليارات جنيه على البنية الأساسية، يصبح نصيب كل فدان نحو 11 ألف جنيه منها. وقد تعرض مشروع توشكى للكثير من الانتقادات عند بدايته. وتركزت تلك الانتقادات في تسرع وتخبط صناعة القرار فيه، وضعف جدواه الاقتصادية.
كما تسبب توزيع الأرض على كبار رجال الأعمال العرب بأسعار رمزية (50 جنيها للفدان) على حساب الشعب المصري الذي دفع من ماله العام 11 ألف جنيه كبنية أساسية لكل فدان، في انتقادات شديدة للمشروع. وطُرحت بالمقابل رؤى تذهب إلى ضرورة توزيع أرض المشروع على الفلاحين المعدمين وخريجي المدارس والكليات الزراعية من أهالي النوبة أولا، وأبناء المحافظات الجنوبية ثانيا، ثم المصريين من باقي المحافظات ثالثا، وذلك برعاية الدولة وبنوكها، وبتوجيه المنح التي تحصل عليها الدولة إليهم.
لكن تنفيذ القسم الأكبر من البنية الأساسية لمشروع توشكى والنفقات الكبيرة التي أنفقت عليها، يفرض علينا ضرورة التعامل مع المشروع كمعطى لا يمكن تغييره. وهذا الأمر يفرض على مصر توجيه التركيز إلى كيفية إصلاح المشروع وتوفير عناصر النجاح له. وهذا النجاح بات ممكنا تماما في الوقت الراهن. وقد أدى الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي في مصر، وارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بصورة كبيرة في الخمسة عشر عاما الأخيرة، إلى تحسين حسابات الجدوى الاقتصادية لمشروع توشكى وجعله مجديا بالفعل على الصعيد الاقتصادي. كما أن القيمة الاجتماعية للمشروع تصبح عظيمة لو تم تمليك الأرض فيه للمستحقين الحقيقيين لها من الفلاحين المعدمين وخريجي التعليم الزراعي بمختلف مستوياته وفقا للأولويات المشار إليها آنفا مع تمويل العمليات الزراعية بقروض ميسرة لا تزيد فائدتها عن 2%، مع إعطاء الفلاحين المقترضين فترة سماح 3 سنوات تمثل الفترة اللازمة لوصول إنتاجية الأرض المستصلحة إلى مستويات عالية تمكن مالكيها من تحقيق أرباح تسمح بسداد ديونهم.
وفرة الأرض وندرة المياه
تضم منطقة مشروع تنمية جنوب الوادى مساحات شاسعة صالحة للزراعة والبناء. وقد قامت أكاديمية البحث العلمى بالاشتراك مع معهد بحوث الصحراء فى عام 1989، بإنجاز العديد من الدراسات التى وضعت نتائجها فى “دائرة معارف الصحراء الغربية” والتى اكدت أن هناك نحو 7,5 مليون فدان قابلة للزراعة فى صحراء مصر الغربية، منها مليون فدان من الأراضى المصنفة كدرجة اولى وثانية، ونحو 2 مليون فدان من أراضى الدرجة الثالثة، وقرابة 2 مليون فدان من الأراضى المصنفة كدرجة رابعة، ونحو 2,5 مليون فدان من أراضى الدرجة الخامسة. ونظرا لأن أراضى الدرجتين الأولى والثانية لها الأولوية فى أى خطة للتنمية الزراعية، فإن المساحات الواقعة تحت هذا التصنيف تتمتع بأولوية فى مشروعات التنمية الزراعية. ويقع تحت هذا التصنيف نحو 638,7 ألف فدان فى منطقة جنوب الوادى (توشكى)، ونحو 300 ألف فدان فى منطقة الواحات، وحوالى 23 ألف فدان بمحاذاة الشاطيء الغربى لبحيرة ناصر. وهذه المنطقة الأخيرة أى ال 23 ألف فدان غربى بحيرة ناصر ينبغى أن تكون حقوق أهل النوبة فيها لها أولوية مطلقة لتعويضهم عن غرق موطنهم الأصلى عند بناء سد أسوان ومن بعده سد مصر العالى لحماية مصر كلها من الفيضانات والجفاف ولتوليد الكهرباء.
ويمكن القول إن الأرض الصالحة للزراعة بمختلف رتبها، والأراضى الصالحة للبناء، متوافرة بصورة أو بأخرى فى منطقة جنوب الوادى. وهذا الأمر منطقى وطبيعى لأن هذه الصحراء كانت قبل عشرة آلاف عام خلت تمر بعصر مطير وتعج بالحياة النباتية والحيوانية وفيها عدد من الأنهار الصغيرة التى كانت تجرى فى مسارات عرضية. وتلك الظروف الطبيعية ساهمت فى خلق تربة قابلة للزراعة فى الكثير من المواقع فى هذه المنطقة حتى بعد أن انتهى العصر المطير وتحولت الأنهار إلى وديان جافة وغطت الرمال الصحراوية الطبقات السطحية للتربة القديمة فى بعض المواقع، وبقيت مكشوفة ومعرضة للعوامل المناخية الطبيعية فى مناطق أخرى. كما أن تراكم كميات هائلة من الطمى فى بحيرة ناصر يتيح إمكانية نقلها واستخدامها فى تغيير التربة فى توشكى والأراضى المستصلحة عموما بوضع طبقة سطحية شديدة الخصوبة وعالية الإنتاجية من الغرين الحبشى المتراكم فى البحيرة.
وتعد قضية توفير المياه من أكثر القضايا إثارة للجدل بشأن مشروع توشكى. ووفقا للمشروع الحكومى الأول فإن المستهدف الاجمالى هو زراعة 3,4 مليون فدان فى النهاية. وتلك المساحة تحتاج الى نحو 25,5 مليار متر من المياه بمتوسط 7,5 ألف متر مكعب للفدان. ومع استخدام أحدث طرق الرى يمكن تخفيضها إلى نحو 10 مليارات متر مكعب مع التركيز فى هذه الحالة على الزراعات الأقل احتياجا للمياه مثل الشعير والقمح والرمان والزيتون والتين والنخيل.
وهذه الكمية من المياه من المستحيل توفيرها بالكامل فى ظل أنماط الرى الراهنة فى مصر. وكانت هناك خطة لوزارة الرى عند إطلاق المشروع تقضى بتقليل المسحوب من بحيرة ناصر للوادى والدلتا القديمة بمقدار 14 مليار متر مكعب يتم تعويضها من خلال زيادة المياه الجوفية المستخدمة فى الدلتا والوادى القديم بمقدار 3 مليارات متر مكعب، وزيادة كميات مياه الصرف التى تتم معالجتها وإعادة استخدامها بمقدار 4 مليارات متر مكعب، اضافة الى نحو 7 مليارات متر مكعب أخرى يتم توفيرها من خلال مشروعات تطوير الرى وترشيد استهلاك المياه وتقليل المساحات المزروعة بالمحاصيل الشرهة للمياه مثل الأرز.
وحتى فى هذه الحالة فإن كل مايمكن توفيره من مياه من خلال خطة وزارة الأشغال العامة والموارد المائية لا يكفى لزراعة 3,4 مليون فدان، بل نصف هذه المساحة تقريبا، هذا اذا نجحت الوزارة بالفعل فى تحقيق كل هذا الوفر المائى وبالذات الجانب الخاص بالتوسع فى معالجة واستخدام مياه الصرف الزراعي، حيث يعتبر مستوى التلوث فى هذه المياه مرتفعا للغاية فى ظل ضخ الصرف الصحى والصناعى فيها ولا تصلح بالفعل إلا لزراعة الأشجار الخشبية.
وتتفاوت التقديرات بشأن المياه الجوفية المتاحة لمصر. وكانت دراسة بجامعة برلين بالاشتراك مع بعض الهيئات المصرية، على منطقة شرق العوينات، قد أشارت الى أن كميات المياه الجوفية التى يمكن الحصول عليها فى هذه المنطقة سنويا، دون الاضرار بخزان المياه الجوفية فيها لمدة مائة عام تبلغ نحو 1,5 مليار متر مكعب سنويا. وتلك الكميات تكفى لزراعة 200 ألف فدان. وتشير إحدى الدراسات عن الأوضاع الهيدروليكية فى الشرق الأوسط الى أن مصر بها واحد من أكبر خزانات المياه الجوفية فى العالم تحت الصحراء الغربية ويبلغ مخزونه من المياه نحو 18 ألف كم3 أى نحو 18 تريليون متر مكعب، ومن المرجح أن تكون تغذية المياه العذبة، قد توقفت منذ مايقرب من 10 آلاف سنة منذ انتهاء العصر المطير فى صحراء مصر الغربية. وربما تكون هناك تغذية محدودة فى الجنوب والشرق من خلال التسرب من النيل وبحيرة ناصر وهى تغذية يمكن أن تكون قد تعززت بقوة مع دخول عدة مليارات من مياه النيل الى توشكى. أما تغذية المياه المالحة الضارة فى الصحراء الغربية فقد توقفت منذ انسحاب البحر عن هذه المناطق فى أزمنة جيولوجية سحيقة.
بحر الرمال رصيد للمياه ومقبرة للغزاة
من المعروف أن مناطق الرمال المتحركة، أو بحر الرمال الأعظم فى الصحراء الغربية يسبح بالفعل فوق بحيرة للمياه الجوفية العذبة والمالحة. ولأن الشئ بالشئ يذكر فإن خزان المياه الجوفية المصرى الذى تقبع فوق جزء منه الرمال المتحركة، قد استخدم فى الكفاح الوطنى ضد الاحتلال الفارسى فى العصر المتأخر للدولة المصرية القديمة عندما كانت فى مرحلة الاضمحلال، عندما وجه الملك الفارسى قمبيز قسما كبيرا من جيشه الى واحة سيوة لهدم معبد آمون الشهير بمعبد النبوءات الموجود بها، بعد أن استدرجه كهنة ذلك المعبد لذلك الفعل بعد أن تنبئوا له بأن جيشه سيهلك وأنه سيموت كمدا على هزيمته. وقد استفزته النبؤة وجعلته يوجه تلك الحملة لهدم المعبد. وقام الأدلاء المصريون بقيادة الجيش الفارسى نحو بحر الرمال الأعظم، حيث غرق الجيش فيه وغرق معه الأدلاء المصريون فى عمل استشهادى عظيم بغرض الدفاع عن الوطن، فى حادث مازال يكتنفه الغموض المرتبط ببساطة بوجود شواهده فى باطن بحر الرمال الأعظم. بل إن قمبيز هرب ببقايا جيشه تحت ضربات المقاومة المصرية، ولسخريات القدر مات بالفعل من الكمد والمرض وهو يفر من مصر ببقايا جيشه. وهى واحدة من حالات توحد طبيعة الأرض مع أصحابها فى الدفاع عن سيادتهم عليها ضد الغزاة.
وتجدر الإشارة إلى أن الجزء الأعظم من خزان المياه الجوفية فى الصحراء الغربية المصرية يقع ضمن نطاق خزان المياه الجوفية العملاق فى شرق الصحراء الكبرى الإفريقية الذى تبلغ مساحته قرابة 2 مليون كيلومتر مربع، والذى يشمل مناطق تازيربو والكفرة وجنوب سرت فى ليبيا ومنطقة كردفان وشمال دارفور فى السودان والجزء الشمالى الشرقى من تشاد. وهذا الخزان مكون من الحجر الرملى النوبى والرمال الطفلية، وكلاهما محدود النفادية. وتقدر السعة التخزينية لخزان المياه الجوفية شرقى الصحراء الكبرى الإفريقية بنحو 240 تريليون متر مكعب من المياه العذبة. وتتراوح الملوحة فى الجزء المصرى من هذا الخزان بين 200 إلى 500 جزء فى المليون، فيما عدا الجزء الواقع شمال خط عرض 29 درجة أو شمال واحة سيوة ومنخفض القطارة، حيث ترتفع الملوحة إلى ما يتراوح بين 10 آلاف إلى 120 ألف جزء فى المليون.
وعلى أى حال فإن جملة المياه التى سيتم توفيرها من خلال خطة وزارة الأشغال والموارد المائية ، تبلغ فى أفضل الأحوال نحو 14 مليار متر مكعب سوف يتم توفيرها من الترشيد والمياه الجوفية ومياه الصرف الزراعى المعالج وستستخدم فى الوادى والدلتا. وهذا الأمر سيؤدى الى تقليل المسحوب من بحيرة ناصر لأغراض الاستخدام المختلفة للدلتا والوادى القديم بمقدار 14 مليار متر مكعب عند اكتمال خطة وزارة الأشغال والموارد المائية، ليتم صرف هذه الكمية لمشروع توشكى عبر ترعة الشيخ زايد التى كانت محل جدل بشأن مسارها وأسلوب تنفيذها كترعة سطحية بدلا من خط أنابيب أو ترعة مغطاة. وبالنسبة لتنفيذها كترعة سطحية فإن اعتبارات التكلفة الآنية هى التى تحكمت فى الاختيار الحكومى لها رغم أن مفقود المياه فى هذه الحالة كبير للغاية بالمقارنة مع الفاقد المحتمل فى حالة تنفيذها كترعة مغطاة.
وبما أن الترعة التى تم تنفيذها على نحو سريع قد أصبحت أمرا واقعا فإنه من الضرورى التأكيد على أهمية زراعة عدة صفوف من الأشجار على شاطئى ترعة الشيخ زايد فى الأماكن التى ستمر بها والتى لن تكون بها زراعة وذلك لحماية الترعة من أن تطمرها الرمال ولتقليل فواقد البخر، حيث تساهم ظلال الأشجار فى ذلك . كما أن زراعة الأشجار على هذا النحو هى طريقة للاستفادة من رطوبة التربة بسبب التسرب والتشرب، وفى نفس الوقت انتاج الأخشاب بكميات تجارية يمكن استثمارها صناعيا كأساس لإقامة صناعات للأخشاب والأثاث أو الورق فى تلك المنطقة.
التركيب المحصولى الملائم
فيما يتعلق بالتركيب المحصولى فى منطقة جنوب الوادى عموما، فإنه لابد أن يتركز على المحاصيل القليلة الاحتياج للمياه والملائمة للظروف المناخية فى منطقة جنوب الوادى عموما مثل القمح والشعير والزيتون والتين والرمان والنخيل. كما أن هناك العديد من المحاصيل الحقلية والفواكه والخضر الملائمة للزراعة فى منطقة جنوب الوادى مثل بنجر السكر والفول وفول الصويا واللوبيا والبرسيم الفحل والمسقاوى وعباد الشمس والذرة والحمضيات والكركديه والكمون والينسون والملوخية والبصل والمانجو والبرقوق والفواكه النفضية التى تسقط أوراقها فى الخريف والشتاء وتنخفض احتياجاتها من المياه مثل الخوخ والعنب والمشمس. أما الحصة النسبية لكل محصول من إجمالى مساحة الأراضى الزراعية فى منطقة المشروع، فإنه يمكن عمل جدول أولى لها بناء على توقعات حجم الإنتاجية واستهلاك المياه واحتياجات الأسواق المحلية وإمكانات التصدير، على أن يتم تعديل هذا التركيب المحصولى على ضوء الإنتاجية التى ستتحقق فى الواقع مع بداية الزراعة فى المنطقة.
أما بالنسبة للخامات اللازمة للصناعة، فإن وجود خامات الحديد بكميات كبيرة فى وادى العلاقى يمكن أن يشكل أساسا لصناعة حديد وصلب كبيرة خاصة وأن الحديد من الصناعات التى من الضرورى أو الافضل أن تتوطن فى المناطق التى توجد فيها الخامات. وإضافة الى صناعة الحديد والصناعات التالية لها وصناعات التعليب والحفظ والتصنيع للمواد الزراعية التى ستنتج فى المنطقة، والحفظ والتعليب للأسماك الممكن زيادة انتاجها من بحيرة ناصر التى ما زال استثمارها سمكيا متدن وعشوائيا ومتحيزا للرأسماليين العاملين فى هذا القطاع على حساب صغار ومتوسطى الصيادين، بعد أن أصابت عدوى الخصخصة كل شيء بما فى ذلك بحيرة ناصر. كذلك فإنه من الممكن تطوير صناعات لا ترتبط بوجود مواد خام فى الموقع مثل الصناعات الهندسية والإلكترونية ، طالما أنه سيتم ربطها ببنية أساسية متطورة مع المراكز الحضرية الكبرى فى مصر، ومع الموانئ الرئيسية بشكل مباشر أو غير مباشر خاصة فى ظل توافر عنصر العمل بكل مستوياته المهارية من محافظات الوجه القبلى ومن مصر بأسرها التى تعانى فى الوقت الحاضر من ارتفاع معدل البطالة بصورة مروعة تنطوى على تأثيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة السلبية.
وحتى لا تكرر الحكومة الحالية اخطاء الحكومات السابقة فيما يتعلق بتخصيص الأراضى للتنمية الزراعية، فإنه من المهم تناول عقد الوليد بن طلال الذى حصل على مساحة كبيرة من الأراضى فى مشروع توشكى، ولم يزرع منها غلا مساحة محدودة حتى الآن...
قراءة لعقد بن طلال..حتى لا نكرر الأخطاء
وقعت الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة برئاسة الدكتور محمود أبو سديرة، فى 16 سبتمبر 1998، عقدا مع شركة «المملكة للتنمية الزراعية» ويملكها الوليد بن طلال بشأن الاتفاق على تخصيص 100 ألف فدان بمشروع توشكى لشركته بسعر 50 (خمسون) جنيها للفدان، بإجمالى ثمن قدره 5 ملايين جنيه سُدد 20% منها عند التوقيع، وعند السداد يمنح المذكور، حق الامتلاك المطلق لكامل المنطقة بين الإحداثيات التى تحدد مساحة الأرض التى تم منحها أو «بيعها» له، وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء فى 12 مايو 1997 على تخصيص هذه الأراضى (100 ألف فدان)، فضلا عن 128 ألفا أخرى كحرم للمساحة الأولى.
والحقيقة أن ملكية أى شخص غير مصرى للأراضى عموما والأراضى الزراعية خصوصا فى مصر، هى مسألة مرفوضة وتفتح باب تكرار مأساة ملكية الأجانب للأراضى فى مصر والمصائب التى حطت بها على الفلاحين والقطاع الزراعى بداية من الربع الأخير من القرن التاسع عشر عندما صدر الفرمان العثمانى الذى يعطى الأوروبيين والأتراك الحق فى امتلاك الأراضى فى البلدان العربية عام 1876. ونتيجة لذلك الفرمان بلغت ملكيات الأجانب من الأراضى الزراعية المصرية نحو 713 ألف فدان عام 1917. كما كان هناك فى مصر عام 1930، نحو 3.4 مليون فدان مرهونة للبنوك العقارية والزراعية وبنوك الأراضي، وغالبيتها كانت مرهونة لصالح مؤسسات اجنبية، ولولا أن قانون الخمسة أفدنة الذى صدر عام 1913، كان يحظر الحجز على الملكيات الزراعية التى تقل عن الأفدنة الخمسة وعلى أراضى الوقف أيضا، لكان جانبا كبيرا من الأراضى الزراعية المصرية قد خضع للحجز والبيع لصالح الأجانب. وقد صدر فى عام 1951 قانون يمنع ملكية الجانب للأراضى الزراعية، وتعزز فى العهد الناصري، قبل ان يتم الارتداد عنه عمليا فى تسعينيات القرن العشرين.
وقد بلغ سعر فدان الأرض الممنوحة ل «بن طلال» قد بلغ 50 جنيها فى وقت بلغ فيه نصيب كل فدان من البنية الأساسية فى هذه المنطقة نحو 11 ألف جنيه تم إنفقاقها من المال العام، أى أكثر من 220 ضعف السعر الذى بيع به الفدان للمذكور، وهذا الأمر يجعل من العقد وثيقة فساد مروع.
وينص عقد بيع الأرض فى توشكى للوليد بن طلال على التزام الحكومة المصرية بتشييد الفرع رقم 1 أى الترعة الرئيسية ومحطات الرفع اللازمة، وتحمل تكاليف تشغيلهما وصيانتهما. كما تلتزم بتوفير المياه لشركة بن طلال بالكميات التى تحددها الشركة، على أن يستمر التدفق على مدار اليوم وطوال أيام السنة، ولا ينبغى إيقاف أوقطع المياه فى أى وقت ولأى سبب مهما يكن إلا فى حالة وجود موافقة خطية من الشركة يتم الحصول عليها قبل شهرين من إيقاف إمدادات المياه. وللعلم فإن الفلاحين المصريين فى وادى النيل ودلتاه يحصلون على المياه بالتناوب، ويتم ضخ المياه فى الترع الفرعية التى يتم الرى منها لمدة عشرة أيام يليها قطع المياه لمدة عشرة أيام.
وفيما يتعلق بسعر بيع المياه لشركة بن طلال فإنه يبلغ أربعة (4) قروش لكل متر مكعب من الخمسة آلاف متر الأولى التى يستهلكها كل فدان، أى تكون تكلفة المياه لكل فدان نحو 200 جنيه طوال العام. ويرتفع سعر المتر المكعب إلى خمسة (5) قروش لكل متر مكعب من الألف السادسة التى يستهلكها الفدان، وبذلك تصبح تكلفة المياه للفدان الذى يستهلك ستة آلاف متر مكعب نحو 250 جنيها. أما إذا تجاوز استهلاك الفدان هذه الكميات، فإن سعر المياه التى تزيد على ستة آلاف متر مكعب للفدان يصبح ستة (6) قروش لكل متر مكعب. ولو قارنا هذه التكلفة بتكلفة حفر وصيانة بئر المياه للحصول على المياه الجوفية للمزارعين المصريين الذين يقومون باستصلاح واستزراع أراضى الصحراء الغربية وغيرها من المناطق، سنجد أن تكلفة حصول وليد بن طلال على المياه لا تزيد على 5% من تكلفة حصول المصريين الذين يزرعون على مياه الآبار فى مختلف المناطق الصحراوية، فضلا عن أن نوعية مياه الآبار أقل كثيرا من مياه النيل التى يمكن استخدامها فى زراعة كافة المحاصيل.
ويسمح العقد ل «بن طلال» بزراعة أى نوع من المحاصيل دون موافقة رسمية مسبقة من مصر، ويعطيه الحق فى استيراد أى نوع من البذور وفصائل النباتات وسلالات الحيوانات دون موافقة رسمية مسبقة، ودون خضوع لأى قيود تتعلق بالحجر الصحي. وفوق كل ما سبق فإن وليد بن طلال الذى يستفيد مشروعه من بنية أساسية عالية التكلفة تم تمويلها من قوت الشعب المصري، معفى من جميع الضرائب والرسوم والأتعاب لمدة 20 عاما، تبدأ بعد بدء إنتاج 10 آلاف فدان من الأرض المخصصة للشركة، أى أنها لم تبدأ بعد. ويسرى هذا الإعفاء على المقاولين الذين يستخدمهم بن طلال فى تنفيذ المشروع. كما يسرى على العاملين فى المشروع الذين لن يضطروا لدفع الضرائب التى يدفعها كل العاملين فى عموم مصر.
ويضاف إلى ذلك أن العقد ينص على حق بن طلال وشركته فى استقدام عمالة أجنبية والحصول لها بدون تأخير أو تقييد على تصاريح عمل غير مقيدة لمدة 3 سنوات يتم تجديدها بصورة دائمة لنفس الفترة دون تأخير. ويتضمن العقد أيضا أن تحصل شركة بن طلال على الكهرباء بتكلفة مساوية لأقل المعدلات المدفوعة من قبل أى مستخدمين فى مصر من مصريين أو أجانب. وهذا يعنى أنه سيظل يحصل على الكهرباء بأدنى سعر مدعوم.
وينص العقد أيضا على حرية بن طلال فى وضع جدول تنفيذ المشروع بناء على إرادته المطلقة والوحيدة، وهو تصريح رسمى له ب”تسقيع” الأرض وتعطيل زراعتها رغم كل ما أنفقته مصر من بنية أساسية عليها تم تمويلها من الإيرادات العامة للدولة. ويحق لبن طلال، تصريف مياه الصرف الزراعى أو أى مياه جارية (يمكن أن تكون مياه صرف صناعي) فى منخفض توشكا، أو أى منخفض آخر من اختياره، على أن تقوم الحكومة المصرية بحمايته وعدم تحميله أية مسئولية فيما يتعلق بجميع المطالبات أو الضرائب أو الدعاوى أو التكاليف أو الخسائر التى يمكن أن تنشأ عن ذلك، أى أن من حقه تدمير البيئة بلا أية تبعات مالية!!
وينص العقد فى المادة 13 على اللجوء للتحكيم الدولى طبقا لقوانين المصالحة والتحكيم الخاصة بالغرفة التجارية الدولية فى حالة الفشل فى حل الخلافات وديا خلال شهر.
وبشكل واضح فإن الطريقة الوحيدة لمعالجة الآثار المأساوية لمثل هذا العقد الفاسد، هو التقصى وراء الأساب والمصالح والعلاقات التى أدت لإبرامه، وتمحيص الذمة المالية لكل من شارك أو سهل توقيعه.
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد الضغوط الإعلامية الكبيرة بشأن هذا العقد والضغوط المتواصلة لمحاسبة من منحوه تلك الأرض وأهدروا المال العام، قام المذكور بتقديم عرض بتسوية ودية “يتنازل” بموجبها عن 75 ألف فدان، على أن يحتفظ ب 25 ألف فدان، منها 10 آلاف فدان تُصبح ملكية له، و 15 ألف فدان بنظام حق الانتفاع الذى ترى وزارة الزراعة المصرية ألا يتجاوز 5 سنوات حتى تكون هناك جدية فى زراعة الأرض، بينما طلب بن طلال أن تكون مدة حق الانتفاع لهذه المساحة هى 49 سنة. وفى النهاية تم توقيع عقد جديد يقضى بتنازله عن 75 ألف فدان للحكومة المصرية، وتمليكه 10 آلاف فدان، وحصوله على 15 ألف فدان أخرى بنظام حق الانتفاع لمدة 3 سنوات، يتم تمليكها له إذا زرعها فى تلك المدة. وهذه التسوية خفضت حجم فساد العقد الأصلى لكننها لم تقض عليه، لأن قيمة ال 25 ألف فدان التى حصل عليها المذكور، تساوى ما يتراوح بين 1.5، 2 مليار جنيه مصري، أى 300 مثل ما دفعه رسميا للحكومة المصرية. وينبغى وضع قواعد قانونية تمنع نهائيا تملك الأجانب للأراضى من أى نوع فى مصر، وتمنع كل من هو غير مصرى من حق الانتفاع أو الإيجار للأراضى الزراعية باستثناء الدول العربية التى تمنح هذا الحق للمصريين.
لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.