رغم عاصفة الغضب التي تفجرت في تونس على خلفية دعوة الصادق شورو القيادي البارز في حركة النهضة الإسلامية الحاكمة ونائبها بالمجلس الوطني التأسيسي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية على المعتصمين، إلا أن هذا لا ينفي حقيقة أن الاعتصامات التي تجتاح البلاد منذ أشهر باتت تهدد بقوة ثورة 14 يناير. وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نددت بشدة بدعوة الصادق شورو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لإنهاء الاعتصامات في البلاد ، متهمة إياه ب'التحريض على العنف والقتل والنفي". ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الرابطة القول في بيان لها إنها تابعت باستياء كبير مداخلة الصادق شورو أمام المجلس التأسيسي في 24 يناير وتدين بشدة تصريحاته وتعتبرها دعوة إلى معالجة الاعتصامات بالترويع والتنكيل، عوضا عن معالجتها بالحوار وتطبيق القانون. وأضافت أيضا أنها تستغرب صدور هذا التصريح الخطير من نائب عن الشعب وعلى مرأى ومسمع من رئيس وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي. وفيما فجرت تصريحات شورو أيضا انتقادات واسعة في صفوف أحزاب معارضة ممثلة في المجلس التأسيسي وفي الصحف المحلية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، نأت كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي بنفسها عن تصريحات شورو وقالت إن تطبيق الشريعة ليس على أجندة الحركة. وكان الصادق شورو "60 عاما" قال خلال مداخلة له أمام المجلس التأسيسي في 24 يناير إن من يقطع الطرقات والسكك الحديدية ويشل عمل المصانع والمناجم ويشعل النار في المرافق العمومية في تونس هم "جيوب الردة التي تسعى في الأرض فسادا"، داعيا إلى إقامة الحد عليهم. ويعتبر شورو من أبرز قياديي حركة النهضة الإسلامية وانتخب عام 1988 رئيسا لها وبقي في هذه المهمة حتى عام 1991 ، وبعد ذلك قضت محكمة تونس العسكرية في 1992 بسجنه مدى الحياة بتهمة محاولة قلب نظام الحكم بالقوة، إلا أنه تم تخفيف العقوبة والإفراج عنه في أكتوبر 2010 . ورغم أن البعض اعتبر دعوة شورو لتطبيق "الشريعة" على المعتصمين غير موفقة وتتناقض تماما مع تحركات حركة النهضة الإسلامية لطمأنة الجميع حول نواياها فيما يتعلق بحقوق الإنسان تحديدا بعد وصولها للحكم، إلا أن تصريحات المسئولين التونسيين حول الخسائر الناجمة عن الاعتصامات المتواصلة تبعث أيضا على القلق الشديد وتتطلب من الجميع التحرك بسرعة لايجاد حل لها. ففي 22 يناير، خرج حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة وأمين عام حركة النهضة الإسلامية على الملأ ليؤكد أن الاعتصامات والإضرابات العمالية العشوائية وقطع الطرقات كبدت اقتصاد تونس خسائر مالية بقيمة 2.5 مليار دينار تونسي "أكثر من مليار ونصف المليار دولار" خلال الشهور الأخيرة. وأضاف الجبالي في مقابلة بثها التليفزيون الرسمي التونسي أن 15 ألف تونسي فقدوا وظائفهم في 2011 بسبب تردي الوضع الاقتصادي وأن حالة عدم الاستقرار الاجتماعي في البلاد حالت دون تنفيذ مشاريع استثمارية جديدة كانت ستوفر 26 ألف فرصة عمل جديدة. وفيما ذكر أن عدد العاطلين في تونس يبلغ حاليا 800 ألف بينهم 200 ألف من أصحاب شهادات التعليم العالي، حذر الجبالي من أن مصير البلاد أصبح في الميزان، قائلا: "لن نقبل الاعتصام العشوائي بعد اليوم". وبالنظر إلى أن هذه أول مرة يسجل فيها الاقتصاد التونسي نموا سلبيا منذ عشرين عاما بعد أن حققت البلاد خلال العقدين الأخيرين نموا اقتصاديا بمعدل 5% سنويا ، فقد سارع كثيرون للتحذير من مخاطر محدقة تتهدد الثورة التونسية. ولعل تصريحات أطلقها الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في 20 يناير ضاعفت أيضا من القلق في هذا الصدد، حيث اتهم أحزاب أقصى اليسار ومجموعة من أزلام النظام البائد باستغلال الاحتجاجات الاجتماعية لتخريب الثورة. ووصف المرزوقي في تصريحات لقناة "الجزيرة" ما يجري في تلك الاحتجاجات من طرف هذه القوى السياسية بأنه "استغلال وتسييس وتحريض يريد أصحابه إغراق البلد من أجل إغراق الائتلاف الحاكم". وفيما أكد أن الحكم الحالي ورث تركة كبيرة وثقيلة هي ثمرة ستين سنة من الديكتاتورية والفساد، بادر المرزوقي إلى طمأنة التونسيين بأنه لا حل لهذه الاحتجاجات إلا بالإقناع والحوار بعيدا عن الحل الأمني، قائلا :" نحن أبناء الثورة لا نتصور أن نطلق النار على أبنائها". وأضاف أن سوء نية بعض الأطراف المعارضة جعلها تعتبر أن هذه المشاكل نتيجة عدم قدرة الحكومة الحالية على معالجة الأوضاع، إلا أنه شدد في الوقت ذاته على أن عدم النجاح في إعادة الأمل إلى المناطق المهمشة سيكون دليلا على فشل الثورة. ويبدو أن تصريحات حسين العباسي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل جاءت لتضاعف أيضا القلق أكثر وأكثر حول وجود مؤامرة خبيثة لتخريب الثورة التونسية، حيث نفى في 20 يناير الاتهامات الموجهة للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يعتبر أكبر منظمة نقابية في البلاد، بأنه وراء موجة الاحتجاجات والاعتصامات المتصاعدة في الشهور الأخيرة. ونقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن العباسي قوله في هذا الصدد:" إن الاتحاد لا علاقة له بأكثر من 80 % من هذه الاحتجاجات لأنه ضد الاعتصامات المخربة للمرافق العامة والتي تعطل العجلة الاقتصادية للبلاد". وبجانب ما ذكره العباسي، فإن تحول الاعتصامات والإضرابات العمالية التي اجتاحت مختلف مناطق تونس بعد ثورة 14 يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بشكل مفاجئ إلى أعمال عنف وتخريب وقطع للطرقات بالحجارة والإطارات المشتعلة، يكشف أيضا أبعاد المؤامرة الخبيثة التي تحاول العبث بالثورة التونسية وإفشال حكومة الجبالي، ولذا لا بديل عن الإسراع بإجراء حوار جدي مع المحتجين لبحث مطالبهم من ناحية ومنع المندسين من استغلال مظالمهم لتخريب الثورة من ناحية أخرى، خاصة أن الكيان الصهيوني يستغل مثل هذه الأمور لإفشال "الربيع العربي".