كتب الشيخ عصام تليمة مقاله بعنوان "القابلية للاستخراف"، مشيرا إلى مقالات من سبقوه مالك بن نبي والشيخ الغزالي "القابلية للاستعمار"، و"القابلية للاستعباد" لسيد قطب، و"للاستحمار" لعلي شريعتي.. ووجدت أن الأصل في الموضوع واحد وهو القابلية لحدوث الاستخفاف بالقوم مصداقا لقوله تعالى "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين".. وتساءلت سؤالا محايدا - وأنا موقن بأنه لابد وان في القرآن الكريم إجابة عنه- خلعت نفسي من هذا اليقين المستقر وتساءلت.. لماذا ارتبط الاستخفاف بفرعون وكل زعيم طاغية ولم يرتبط بكل زعيم مصلح؟! .. لماذا اختص فرعون بالاستخفاف ولصقت الصفة بالتابعين له ولم تُلصق بموسى عليه السلام والمؤمنين معه؟! إن كثير مما جاء به الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين قضايا غيبية لا يراها الإنسان بالعين المجردة ولا تخضع لقوانين الحواس التجريبية.. نعلم من خلال الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الأخر والقدر والبعث، أن الأنبياء على حق، وان الطواغيت على باطل.. هذا علم إيماني قلبي.. ولكن هل هو علم عقلي مجرب؟! ماذا لو أطلق الفريق الآخر أتباع الطاغية والفراعين ممن استخف بهم طواغيتهم علينا نفس الصفة باعتبارنا خراف وقطيع المصلحين؟ هل يمكننا هنا الاعتبار بان أعمال هؤلاء صالحة بينما أعمال الطواغيت ظاهرة الفساد؟ كيف يستقيم هذا القياس مع قوله تعالى واصفا ألسنة وادعاءات وإعلام الجبابرة "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام"؟.. وفي المقابل يطلقون حملة التشويه والاتهامات الباطلة للأنبياء ومن ثم المصلحين فيتهمونهم بالجنون والشذوذ الفكري والاجتماعي والتفريق بين أفراد المجتمع والدعوة إلى الفتن المجتمعية والاقتتال الأهلي بسبب دعواتهم الإصلاحية وهو أمر مكرر في كل جيل!! خلصت من هذه الأسئلة إلى نتيجة مفادها انه ما أرسل الله تعالى نبيا ولا رسولا إلا ومعه آيات بيّنات تخاطب العقل والحواس كما تتفق مع الروح والفطرة السليمة.. فلكل نبي تأييد عقلي ظاهر يدركه الإنسان العادي بعقله وحواسه.. فيعلم انه لو اتبع موسى فلن يكون ذلك استخفافا بعقله.. أما إتباع فرعون فإنه يصادم العقل وإن وافق المصلحة الذاتية الوقتية، كأن ينعم بعرض زائل أو ينجو من عقوبة محتملة.. فخلصت إلى أن الفرق الجوهري بين الإيمان الحق وبين الاستخفاف الذي يؤدي إلى القابلية للاستعمار والاستعباد والاستحمار والاستخراف، انه لا إيمان بغير أدلة عقلية مقنعة، وان الاستخفاف هو ثقة في مدعي الإصلاح بغير اختبار عقلي.. أكد لي هذا المعنى نظرات في قصة موسى عليه السلام مع الخضر.. كون وقائعها الثلاثة لا تنسجم مع العقل، مما جعل رسول من أولي العزم من الرسل لم يستطع معها صبرا، لأنه يرفض أن يستخف به من كان دعيّا، ولولا إخبار الله تعالى المتقدم له بصلاح الرجل، لفارقه منذ الواقعة الأولى.. في تقديري وحسب فهمي لسياق القصة.. ومع ذلك لم يطق موسى النبي على الخضر الولي صبرا، بعد ثلاث حوادث، فكان هذا فراق بينهما، ومع ذلك قدّم له التفسير العقلي لما قام به.. فهل بعد ثلاث وقائع مع أوليائنا الصالحين أو الطالحين نعلنها في وجوههم لا طاقة لنا للصبر عليكم إن كنتم تأتون بما لا قدرة لنا بفهمه؟ حتى لا نكون من ذوي القابلية للاستخفاف؟! السؤال موّجه لكل من استخف نفسه فمشى مع قطيع اجتماعي على أي صعيد من الأصعدة أو تيار من التيارات الفكرية والسياسية والثقافية والمذهبية بعيدا عن تخصيص فريق دون آخر.. شعورا أننا في هم الاستخفاف سواء!!