رغم إعلان السلطات الليبية سيطرتها بشكل تام على مدينة بني وليد في جنوب شرق العاصمة طرابلس التي كانت مسرحا لأحداث غامضة في الساعات الأخيرة، إلا أن ما يجمع عليه كثيرون أن مثل هذه الأمور لن تكون الأخيرة في حال لم يسارع المجلس الانتقالي لنزع سلاح الثوار السابقين وفرض سيادة القانون في البلاد. وكان وزير الدفاع الليبي أسامة الجويلي أعلن بعد لقائه أعيان بني وليد في 25 يناير أن الوضع هناك تحت السيطرة، قائلا للصحفيين خلال جولة في أحياء المدينة :" تمت معالجة المشكلة، كانت مشكلة داخلية، المعارك لم تكن بين الثوار وأنصار العقيد الراحل معمر القذافي كما تردد في وسائل الإعلام، بل بين مجموعتين من الشبان، إحداهما كتيبة 28 مايو". وفيما أكد الجويلي مغادرة كتيبة 28 مايو بني وليد، ذكرت وكالة "فرانس برس" أن الهدوء عاد للمدينة الواقعة على بعد 170 كلم جنوب شرق طرابلس، وتوجه السكان إلى أعمالهم بشكل طبيعي. ونقلت "فرانس برس" عن شاهد عيان قدم نفسه على أنه من قبيلة ورفلة النافذة في المدينة، التي كانت في السابق معقلا للقوات الموالية للقذافي ، قوله:" قدم بعض عناصر القبيلة إلى كتيبة 28 مايو لمطالبة المسئولين فيها بتسليمهم أحد أقاربهم المعتقل لديها، إلا أنها رفضت هذا الأمر، فأرسلت القبيلة شخصا للتفاوض مع الكتيبة باسمها، فما كان منها إلا أن تعرضت له بالضرب، وهكذا بدأت المعارك". ورغم أنه كانت ترددت أنباء حول سيطرة مؤيدي القذافي على المدينة في 23 يناير بعد هجوم على ثوار كتيبة 28 مايو، إلا أن "فرانس برس" نقلت عن محمد المبها أحد سكان بني وليد ومن قبيلة ورفلة أيضا القول :"نحن مع الحكومة الجديدة، نحن مع ليبيا الحرة، صحيح أن كثيرين هنا لا يحبون كتيبة 28 مايو، لكن أيا كانت المشكلة، فقد تم حلها الآن". كما نفى شيوخ محليون من البلدة في تصريحات لوكالة "رويترز" ما تردد من أنباء حول أنهم موالون للقذافي، وقال شيخ يدعى مفتاح جوبارا في هذا الصدد:" أثناء الثورة الليبية كنا جميعا أشقاء، لن نكون عقبة في طريق التقدم، بالنسبة للادعاءات المتعلقة بوجود عناصر موالية للقذافي في بني وليد هذا ليس صحيحا، هذه هي وسائل الإعلام، ستذهبون في جميع أنحاء المدينة ولن تجدوا الأعلام الخضراء التي ترمز للنظام السابق". وفي السياق ذاته، نفى الأستاذ الجامعي من بني وليد الدكتورعبد السلام قريره أيضا ما تردد من أنباء عن سيطرة مؤيدي القذافي على هذه المدينة، قائلا في اتصال هاتفي مع "يونايتد برس انترناشونال" إن سكان هذه المدينة مع ثورة 17 فبراير ولا علاقة لهم بالنظام السابق. وأرجع قريره الأحداث إلى قيام كتيبة 28 مايو التابعة للثوار بالقبض على شخص من أحد قبائل المدينة يدعى محمد شليطه، ما دفع قبيلته إلى مطالبة الكتيبة باطلاق سراحه وإمهالها حتى ظهر 23 يناير، مشيرا إلى أن الأهالى هجموا على مقر الكتيبة بعد رفضها إطلاق سراح شليطه، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من الأشخاص. بل وهناك من اتهم أيضا المجلس الوطني الانتقالي بالترويج لسيطرة فلول القذافي على المدينة للتغطية على إخفاقاته في فرض سيادة القانون ونزع سلاح الثوار، حيث ترددت أنباء حول أن 200 من شيوخ بني وليد قاموا بإلغاء المجلس العسكري للمدينة التابع للمجلس الانتقالي وعينوا مجلسا محليا خاصا بهم، في تحد مباشر لسلطة الحكومة في طرابلس، وذلك بعد اتهامات وجهوها لثوار كتيبة 28 مايو بتنفيذ اعتقالات عشوائية والقيام بانتهاكات ضد السكان هناك بزعم انتمائهم لنظام القذافي. ويبدو أن ردود أفعال المجلس الانتقالي المتخطبة تجاه أحداث بني وليد ضاعفت الشكوك أيضا بشأن مدى سيطرته على الأمور في البلاد، حيث نفى وزير الداخلية الليبي فوزي عبد العال في البداية سيطرة فلول القذافي على بني وليد، قبل أن يتراجع ويعلن في 24 يناير أن السلطات لم تكن متأكدة مما حصل هناك، متوعدا في الوقت ذاته أنصار النظام السابق بأنهم سيتم سحقهم جميعا بقوة القانون وقوة الثوار. وكان قائد ثوار بني وليد أمبارك الفطماني أكد في 23 يناير أنهم يتعرضون للإبادة من قبل مؤيدي القذافي بعد أن تمكنوا من السيطرة على المدينة ورفعوا فوق مرافقها الأعلام الخضراء التي ترمز للنظام السابق. ونقلت صحيفة "قورينا" عن الفطماني قوله إن الثوار في كتيبة 28 مايو تعرضوا لهجوم بأسلحة الرشاشات الثقيلة من 23 و14.50 وقاذفات الأر بي جي والصواريخ الحرارية وغيرها من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ما أدى إلى مقتل عشرة منهم وإصابة أكثر من عشرين آخرين. ورغم أن بني وليد كانت بالفعل من أقوى المعاقل الموالية للقذافي قبل سقوط نظامه، إلا أن تزامن الأحداث التي وقعت فيها مع تصاعد التوتر في مدينة بنغازي التي فجرت الشرارة الأولى لثورة 17 فبراير، دفع كثيرين للتحذير من أن هناك خطرا محدقا يتهدد ليبيا، في حال لم يتمكن المجلس الانتقالي من الإسراع بوتيرة الإصلاح والتنمية وفرض سيطرته على أرض الواقع. وكان عبد الحفيظ غوقة نائب رئيس المجلس الانتقالي تعرض للضرب في جامعة بنغازي في 19 يناير واتهمه متظاهرون بأنه "انتهازي" وكان جزءا من نظام معمر القذافي السابق، ما دفعه لتقديم استقالته. كما اقتحم مئات المتظاهرين في 21 يناير مبنى المجلس الانتقالي في بنغازي وقاموا بأعمال تخريب وحاصروا عددا من أعضاء المجلس بينهم رئيسه مصطفى عبد الجليل، خلال احتجاج نظمه ذوو الجرحى والمفقودين. وبالنظر إلى أن إحصاءات غربية كشفت مؤخرا أن إنتاج النفط الليبي بدأ يقترب من معدلاته قبل الإطاحة بنظام القذافي، أي مليون ونصف المليون برميل يوميا، فقد حذر كثيرون من أن ليبيا الجديدة مهددة بكابوس "الاستعمار الناعم" الذي يحاول انتهاك سيادتها بصورة مستترة ويتخذ من فوضى السلاح والتوتر السياسي وأحداث كتلك التي وقعت في بني وليد وبنغازي ذريعة للتغلغل هناك أكثر وأكثر، فهل تتحرك ثورة 17 فبراير لإجهاض تلك المؤامرة قبل فوات الأوان؟.