تتطلع مصر إلى أداء اقتصادي مختلف، يجعل منها دولة قوية اقتصاديا. واقع يحقق آمال الشباب، الذي لا ينحصر فقط في تلبية مطالبهم في الحصول على العمل والخروج من دائرة الفقر، ولكن واقعًا جديدًا يجعل للأداء الاقتصادي لمصر وجها جديدا، يكرس مبدأ تقديم أهل الخبرة على أهل الثقة ويكبح الفساد، ويصنع إرادة سياسية واقتصادية، تستغني بها مصر عن المعونات ولا تخضع للتبعية أو وجود شبهة تأثير على قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولكي تتحقق هذه الأهداف لا بد من مجموعة من المحاور التي تصلح لبلورة رؤية إصلاحية ينطلق منها الاقتصاد المصري إن المؤشرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد المصري في 2015 تشير إلى أزمة شديدة؛فمصر سجلت مزيدا من التراجعات في العديد من القطاعات الاقتصادية مؤخراً، فاق من تأثيراتها حادث تحطم الطائرة الروسية الذي ألقى بتداعيات سلبية على القطاع السياحي، الذي يعاني منذ قرابة خمس سنوات. فأصبح معدل البطالة الإجمالي ارتفع، خلال الربع الثالث من العام الجاري، ليبلغ 12.8% من إجمالي قوة العمل، مقابل 12.7% خلال الربع الثاني من العام ذاته. ووصل خسائر قطاع 2.2 مليار جنيه خسائر شهرية مباشرة جراء قرار بريطانيا وروسيا تعليق السفر لمصر بعد تحطم طائرة الركاب الروسية في شبه جزيرة سيناء. وأصبح الدين العام المحلي قفز بنهاية يونيو الماضي إلى 2 تريليون و 116 مليار جنيه مقابل 2 تريليون و16 مليار نهاية مارس الماضي.وارتفع عجز الموازنة العامة للدولة خلال الربع الأول (يوليو- سبتمبر) من العام المالي الحالي 2015- 2016 إلى 78.3 مليار جنيه، مقابل 65.8 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام السابق عليه.وتراجعت الصادرات المصرية غير البترولية بنسبة 69% خلال شهر نوفمبر الماضي، لتصل قيمتها لنحو 16 مليار و760 مليون دولار مقابل 20 مليار و271 مليون دولار خلال نوفمبر من العام الماضي. و كشفت بيانات هيئة قناة السويس عن تراجع إيراداتها من رسوم عبور السفن للشهر الرابع على التوالي، خلال نوفمبر الماضي بنحو 7.9% مقارنة بنوفمبر 2014. وسجلت إيرادات نوفمبر الماضي 408 ملايين دولار، مقابل 443 ملايين في نوفمبر 2014 بتراجع 35 مليون دولار، رغم افتتاح القناة الجديدة. فقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع معدل التضخم العام ليصل إلى 11.08% في نوفمبر الماضي مقارنة ب9.70% في أكتوبر.و أرتفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري في 2015 ليسجل 7.78 جنيها للشراء و 7.83 جنيها للبيع مقابل 7.15 جنيها للشراء و 7.18 جنيها للبيع نهاية 2014وبالرغم أن الأرقام الاقتصادية الصادمة التي ذكرناها، سجلت بعض المؤشرات أرقاما إيجابية يرى الخبراء أنها نواه لنمو اقتصادي متوقع. وفقا لبيانات البنك المركزي ارتفع احتياطي النقد الأجنبي 1.1 مليار دولار في أول 11 شهرا من 2015، ليسجل 16.4 مليار دولار في نوفمبر مقابل 15.3 مليار دولار نهاية 2014و انخفض رصيد الدين الخارجي بقيمة 2 مليار دولار، ليصل إلى نحو 46.1 مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي، مقارنة بنحو 48.1 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي. وفقا لوزير التخطيط ارتفع معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 4.2% في السنة المالية 2014-2015 وذلك مقارنة مع 2.2% قبل عام. أن الوضع الاقتصادي لمصر سيتحسن في 2016 رغم الأوضاع الصعبة التي يعاني منها العديد من القطاعات.فقد أشادت مؤسسة فيتش أشادت بالتقدم الحكومي في تنفيذ برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي بجانب استمرار انخفاض معدلات الدين الخارجي للاقتصاد المصري مقارنة بالدول الأخرى ذات التقييم الائتماني المماثل لمصر. ولكنها قالت إنه رغم التحسن في النشاط الاقتصادي وتضاعف معدلات النمو في العام الماضي مقارنة بالعام السابق، إلا أن الاقتصاد المصري لم يستعد بعد معدلات أداءه المرتفعة، ولا يزال معدل النمو أقل من الطاقة الكامنة ومن قدرة الاقتصاد على النمو، وبما يحقق معدلات التشغيل المرجوة. لان تحركات الحكومة المصرية نحو إزالة معوقات الاستثمار وتوفير الطاقة اللازمة للمشروعات الجديدة يعد مؤشرا هاما نحو التقدم الاقتصادي. لان انتهاء مصر من الاستحقاق الثالث في خارطة الطريق، وقرب انعقاد أولى جلسات البرلمان خطوة مهمة تدفع مؤشرات الاقتصاد للأمام في 2016، . إن الوضع الاقتصادي في مصر يبقى صعبا. النمو توقف وهذا يسيء إلى الاقتصاد المصري والى الشعب المصري. كما أن المشروعات الكبرى التي تنفذها الدولة باستثمارات ضخمة سوف تسهم في بناء اقتصاد ومستقبل واعد. لان الدعم الذي تلقته مصر من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية بجانب المساعدات التي أعلنت عنها المملكة السعودية ستحفز أداء الاقتصادي المصري في 2016. لا ن الاقتصاد سيستفيد من تلك القروض والمساعدات في تلبية التمويلات اللازمة للمشروعات الكبرى التي تعتزم تنفيذها خلال الفترة المقبلة كما سيسهم في دعم احتياطي النقد الأجنبي للبلاد وإحكام السيطرة على سوق الصرف وبالتالي أسعار السلع الغذائية في السوق. فقد حصلت مصر علي موافقات من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية لدعم الموازنة المصرية بقروض ميسرة بقيمة إجمالية 4.5 مليار دولار، بواقع 3 مليارات من البنك الدولي و1.5 مليار من التنمية الإفريقي، بخلاف تعهدات بزيادة المحافظ التمويلية المخصصة من المؤسستين على مدار السنوات الأربعة المقبلة لتمويل المشروعات القومية. يعاني الاقتصاد المصري منذ فترة طويلة من حزمة من المشكلات المزمنة، أبرزها ما يلي: 1- عجز الموازنة العامة الذي يقدر ب 9 في المائة، والدين العام الذي وصل إلى أكثر من 900 مليار جنيه مصري في شقه المحلي، ونحو 32 مليار دولار في شقه الخارجي. 2- تأتي البطالة لتمثل واحدة من معضلات الاقتصاد المصري، وتختلف التقديرات حولها، حسب المنظور وطريقة الحساب، حيث تراوح بين 10 في المائة و15 في المائة، ويرجع الجزء الأكبر منها لنظم التعليم التي لا تربطها بسوق العمل أي سياسات، فيجد صانع السياسة الاقتصادية أنه مطالب سنويا بما بين 700 ألف و750 ألف وظيفة سنويا. 3- توصف الموازنة المصرية بأنها موازنة استهلاكية تصرف معظم بنودها على النفقات الجارية، وتقل فيها الاستثمارات العامة، بسبب التوجه الحكومي بعدم الدخول في استثمارات عامة جديدة، باستثناء بعض المخصصات للمرافق العامة. 4- تمثل الإيرادات الضريبية عدم عدالة السياسة الضريبية المتبعة خلال الفترة الماضية، حيث يدفع الموظفون نحو 9.5 مليارات دولار، والنشاط التجاري والصناعي قرابة 4.5 مليارات. بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر في العام المالي 2009/2010 نحو 1.2 الف مليار جنيه، ووصل معدل النمو الاقتصادي لنفس العام 5.1 في المائة. وقد امتد تأثير الوضع في مصر إلى بورصات المنطقة التي سجلت في الأيام القليلة الماضية هبوطا كبيرا، وبدرجة أقل في البورصات الأوروبية والآسيوية والأميركية. ففي الساعات الأولى من التداول بالبورصة الأميركية انخفضت المؤشرات الثلاثة انخفاضا طفيفا، وعزا محللون أسبابه إلى ما يجري في مصر. فالجهاز المصرفي الذي يضم ودائع تبلغ أكثر من 900 مليار جنيه، ويبحث عن مصادر لتوظيف نحو 48 في المائة منها ولا يجد، عليه أن يتجه لتمويل مشروعات إنتاجية مدروسة بشكل صحيح، وأن يقلل من سياسته الحالية المعتمدة على التجزئة المصرفية. وكذلك الابتعاد عن الائتمان السياسي واسترداد قروض رجال الأعمال الذين حرصوا على عدم السداد، أو السداد من خلال تدوير القروض، وتهريب أموالهم للخارج. كما يتطلب الأمر عملية تمويل حقيقية للمشروعات المتوسطة والصغيرة. وفيما يخص سوق الأوراق المالية، التي يبلغ رأسمالها السوقي في آخر أيام التداول قبل إيقافها نحو 445 مليار جنيه مصري، فهناك مجموعة من الإجراءات والسياسات التي تعمل على تحويل البورصة المصرية إلى بورصة للاستثمار وليس للمضاربة، فيكبر فيها سوق الإصدار ويتضاءل سوق التداول، ويتم التوجه نحو الشفافية في التعاملات لجميع المتعاملين على حد سواء، وأن تلغي بعض التعاملات مثل البيع في نفس الساعة أو اليوم، وكذلك إلغاء بيوع المشتقات وأن تكون هناك ضرائب تصاعدية على أرباح المتعاملين بالبورصة وإن كانت بمعدلات صغيرة. أما الأهم فيتمثل في إمكانية أن يؤدي إرساء دعائم فجر ديمقراطي جديد في مصر إلى تأسيس منظومة اقتصادية اجتماعية أكثر عدلاً على الأرجح بدلا من المنظومة الراهنة التي كرست وفق كثيرين أوضاعا شبيهة بما كانت عليه البلاد أيام عهد إقطاع ما قبل ثورة يوليو عندما كان يستحوذ نصف الواحد في المائة من السكان على حوالي 50 في المائة من ثروات البلاد. كما نأمل أن تنخفض مستويات البطالة فيه كما الفساد، وطبعاً الفقر الذي يعتبر العامل الأقوى وراء تفجر هذه الثورة ، فأكثر من 50 في المائة من المصريين يعيشون بدولار او دولارين في اليوم، وهذا يعني نصف الشعب المصري ليس لديه القدرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية الممثلة في المأكل والمشرب والمسكن.