جمعهما "محاربة الفساد"، وتقاسما المصير ذاته، فلم تكن إقالة المستشار هشام جنينه من منصبه كرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بقرار جمهوري، في وقت متأخر مساء الاثنين، هي الأولى من نوعها لمسئول داخل أحد الأجهزة المعنية بمحاربة الفساد. فقد واجه معتصم فتحي، الضابط السابق بالرقابة الإدارية، مصير جنينة، على الرغم من أن القضية الوحيدة التي أدين فيها الرئيس الأسبق حسني مبارك كان هو مفجرها، بعدما أدين بتهمة الاختلاس وإهدار مال الشعب في قضية "القصور الرئاسية"، إلا أنه اختفى تمامًا وتوارى عن الأنظار، بعد أن أطيح به من عمله. يواجه جنينة الآن بعد يوم واحد من إقالته تهمًا تتعلق بالإضرار بوضع مصر وتشويه صورتها، بعد أن تحدث عن فساد في مؤسسات الدولة مقدرًا حجمه بنحو 600مليار جنيه، وكأنه هذا هو جزاء الرجل الذي واجه الفساد وخاض أشرس المعارك ضده، خلال الفترة التي أمضاها في منصبه. كانت هي المكافأة ذاتها التي نالها الضابط معتصم فتحي، ضابط الرقابة الإدارية السابق، صاحب البلاغ الأساسي في قضية القصور الرئاسية، والذي استمات من أجل التحقيق فيه، ولولاه ما كانت تلك القضية لتظهر إلى النور. عقب تفجيره للقضية، وتقديمه لأول بلاغ ضد مبارك وأسرته، تم نقله من عمله بالرقابة الإدارية إلى عمل إداري آخر بوزارة الصناعة كنوع من التنكيل به فأطلق رواد موقع "تويتر" هشتاج يحمل اسمه ويدافع عنه. القضية الوحيدة وتُعتبر قضية "القصور الرئاسية" هي القضية الوحيدة التي أدين فيها مبارك ونظامه حتى الآن، بعد أن حصلوا على البراءة في القضايا الأخرى التي اتهموا فيها، لأن أوراق الاتهام في القضية ثابتة وتدين الرئيس الذي حكم مصر 30عامًا بالاستيلاء على أموال الشعب. يَعتبر معتصم فتحي، أن قضية القصور الرئاسية هيّ أكبر قضية إهدار مال عام شهدتها مصر في السنوات العشر الأخيرة، وخاصة أن المتهم فيها هو الموظف العام الأول في مصر وهو رئيس الجمهورية. ودلل على قوة موقفه بأن مبارك وأسرته سددوا 104 ملايين جنيه إلى خزائن الدولة، الأمر الذي يؤكد أنهم كانوا ينهبون ويسرقون الأموال. والأوراق التي قدمها فتحي ضد مبارك ونجليه ، تؤكد اختلاسهم 10 ملايين يورو من أموال عامة مخصصة لصيانة القصور التابعة لرئاسة الجمهورية. مع ذلك، فوجئ فتحي بعد 3يوليو 2013، وعقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، بقرار نقله إلى فرع صغير للرقابة الإدارية بمحافظة البحيرة، قبل أن يتم تجريده من رتبته ونقله لوظيفة مكتبية بإدارة الشئون القانونية بوزارة التجارة. فضلاً عن خفض مرتبه الشهري من 12 ألف جنيه إلى 1400 جنيه وفقدانه الامتيازات التأمينية وحرمانه من مكافأة نهاية الخدمة، علاوة على ما يتعرض له الآن من تهديدات له ولأسرته. وتعرض فتحي للتنكيل به بسبب تصديه للفساد ولتستر القيادة السياسية على شبكات الفساد المتغلغلة على أعلى مستوى. يقول: "فوجئت قبل نظر قضية القصور الرئاسية، بصدور قرار تعسفي بنقلي من هيئة الرقابة الإدارية إلى وزارة الصناعة بعد خدمة تجاوزت 15 عاما، لم يحصل فيها أبدا على أي جزاء أو تحقيق، فضلاً عن استبعادي من الشهادة بالقضية، رغم كوني القائم على إعداد محضر التحريات الأساسي في القضية، وكذلك ضبط كل الأوراق والمستندات والمتهمين". تكريمه لكشف الفساد كُرم فتحي من قبل رئيس هيئة الرقابة الإدارية 3 مرات خلال عامين، لقيامه بضبط العديد من قضايا الفساد الكبرى، ومنها ضبط رئيس هيئة الصرف ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للقطن، و4 رؤساء آخرين، وحكم عليهم جميعًا بالسجن. وعلى إثر ذلك، تم نقله إلي أحد القطاعات الهامة بهيئة الرقابة الإدارية كأصغر عضو بها لمدة 5 سنوات، وهو قطاع يتعلق بضبط كبار المسئولين، ونجح بعد شهرين من انضمامه لها في كشف قضية فساد عام 2001 ضمت 13 متهمًا، منهم رئيس مجلس إدارة شركة الحاصلات الزراعية ورئيس التخطيط العمراني بمحافظة بورسعيد ومدير الأملاك بمحافظة بورسعيد، متلبسين بحصولهم على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من بعض رجال الأعمال بوساطة رائد بالقوات المسلحة. ملاحقة الفاسدين وتمكن فتحي من ضبط رئيس مجلس إدارة شركة الزيوت المستخلصة، ورئيس نادي الاتحاد أثناء تقاضيه مبالغ مالية على سبيل الرشوة من صاحب إحدى الشركات الخاصة، وتم ضبط مبالغ مالية ومشغولات ذهبية بقيمة 2 مليون جنيه، كما تورط في ذات القضية رئيس محكمة ورئيس مباحث العطارين لقيامهما بالحصول على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من شقيق المتهم الثاني، لإدخال أحد المتهمين الموضوعين على ترقب الوصول لداخل البلاد، وقد حكم على جميع المتهمين بالسجن من 7 سنوات إلى خمس سنوات، وحكم على المتهم الأول بمصادرة أمواله في قضية الكسب غير المشروع. ضبط المختلسين وفي عام 2003، تمكن من ضبط رئيس مجلس إدارة المكتب العربي للاستشارات الهندسية، ورئيس مجلس إدارة شركة القاهرة العامة للمقاولات، و12 متهمًا آخرين في واقعة حصول على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من بعض أصحاب شركات المقاولات المسند لهم أعمال لصالح وزارة العدل والداخلية. وكان من بين المتهمين ضياء المنيري صاحب مكتب "انفايرو سفيك" للاستشارات وشقيق زوجة وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان، حيث اعترف عليه المتهمون بحصوله على نسبة 1% من قيمة العقود المسندة إليهم من قبل وزارة الإسكان مقابل قيامه، بمساعدتهم على سرعة إنهاء إجراءات صرف مستخلصاتهم ومستحقاتهم المالية بوزارة الإسكان، وأدين جميع المتهمين وحصلوا على أحكام بالسجن من عشر إلى 3 سنوات، وتم حفظ واقعة زوج شقيقة إبراهيم سليمان. قضية أخرى وفي عام 2004-2005، تم ضبط نائب رئيس مجلس إدارة شركة حسن علام و2وكلاء وزارة، و3 مدراء عامين، و10 متهمين آخرين بواقعة حصول الأول وآخرين على مبالغ مالية على سبيل الرشوة تعدت 2مليون جنيه من بعض المقاولين المسند إليهم أعمال إنشاء أنفاق بمدينة القاهرة الجديدة وكوبرى المطار. واعترف نائب رئيس مجلس إدارة شركة حسن علام والموظفون الآخرون بأن جزءًا من مبالغ الرشوة التي تحصلوا عليها يتم تسليمها إلى وزير الإسكان شخصيًا، أن جزءًا من تلك المبالغ تم تجديد وشراء أثاث فيلات رئيس الجمهورية وأبنائه بمدينة شرم الشيخ، وحصل المتهمون على أحكام بالسجن، وبالنسبة لواقعة وزير الإسكان تم حفظها. وفى عام 2005-2006 تمكن من ضبط مدير تنفيذ مشروع توشكي وآخرين في واقعة حصولهم على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من صاحب شركة للمقاولات، والمسند إليه أعمال من باطن شركة وادي النيل للمقاولات التابعة لمجلس الدفاع الوطني، وتبين خلال القضية تورط العضو المنتدب لشركة وادي النيل، وحصوله على مبلغ مليون ومائتين وخمسين ألف جنيه، وسيارة بواسطة إحدى سيدات المجتمع وعضو نادى اللوينز، وصاحبة شركة يونيتد تريد، وقد اعترف جميع المتهمين وصدر ضدهم أحكام بالسجن إما بالنسبة لواقعة اللواء فقد تم نسخ الواقعة، ولم يبت فيها حتى الآن. نظرة على تاريخه المهني فى عام 2007، تمكن من ضبط نائب رئيس حي شرق بالإسكندرية و10 موظفين بالإدارات الهندسية بأحياء شرق والمنتزه والبصل فى وقائع حصولهم على مبالغ مالية على سبيل الرشوة من بعض المقاولين بالإسكندرية مقابل تغاضيهم على مخالفات البناء بدون ترخيص. وفى عام 2008، تمكن من ضبط 13 متهما في قضية اشتهرت بقضية "ابني بيتك"، حيث تم ضبط رئيس الجهاز التنفيذي لمشروع أبنى بيتك ونائبه وآخرين وعدد 6ضباط قوات مسلحة سابقين حال طلبهم وتقاضيهم مبلغ 17 مليون جنيه على سبيل الرشوة من بعض أصحاب شركات المقاولات مقابل تسهيل إجراءات إسناد أعمال رفع أتربة، وإنشاء معديات صرف صحي بمدينة 6 أكتوبر، وقد تم الحكم عليهم بالسجن من 10 إلى 5 سنوات. وفى عام 2008 أيًضا، تمكن من ضبط رئيس مجلس إدارة شركة النصر للفوسفات أثناء حصوله على مبالغ رشوة من وكيل إحدى الشركات الأجنبية مقابل قيامه بالموافقة على بيع الفوسفات المصري بأسعار أقل من قيمته الحقيقية، وقد بلغ مبالغ الرشوة التي تم ضبطها 7ملايين جنيه. وفى عام 2009، ضبط مدير مديرية الطرق بالبحر الأحمر حال تقاضيه مبالغ مالية على سبيل الرشوة من صاحب شركة مقاولات للتغاضي عن بعض العيوب بطريق سفاجا –البحر الأحمر. الحكم في القصور الرئاسية وأصدرت محكمة الجنايات حكمًا تاريخيًا على الرئيس المخلوع حسني مبارك بالسجن المشدد لمدة ثلاثة سنوات في القصور الرئاسية، كما أصدرت حكمًا بمعاقبة نجلاه بالسجن المشدد لمدة أربعة سنوات، وحكم على مبارك ونجليه بغرامة تبلغ قيمتها لهم جميعا 125 مليون جنيه مصري وبإعادة 21 مليون جنيه مصري إلى الدولة. ويرجع الفضل في ذلك إلى معتصم فتحي الذي كان السبب الأساسي في الإبقاء علي الرئيس الأسبق ونظامه داخل السجن، وكذلك إلصاق التهمة بهم، حيث استطاعوا الإفلات من كافة التهم إلا "القصور الرئاسية" وذلك لاحتفاظه بكافة الأدلة والمستندات التي تورط مبارك ونجليه في القضية.