لابد أولا نتوجه بالتحية والإجلال والتعظيم للشعب المصرى وثورته البيضاء فى 25 يناير 2011 ضد الظلم والطغيان الذى عانينا منه طوال 60 عامًا فى واحدة من أنقى ثورات العصر الحديث، قام الشعب المصرى بشبابه ورجاله وشيوخه منتفضًا على نظام حكم انتهك كافة حقوقه، وقضى على كل آماله على مدى عقود عدة.. فالثورة على هذا النظام الذى أذل المصريين لم يصنعه حسنى مبارك بل هو الذى صنع حسنى مبارك وجعله طاغية وإذا كان كل شىء قد فسد فى ظل حسنى مبارك فالذين سبقوا حسنى مبارك هم الذين أسسوا لهذا الفساد، وعلى رأس هؤلاء عبد الناصر. حسنى مبارك بقى فى السلطة ثلاثين عامًا لأن أنور السادات غير الدستور ليفتح لنفسه باب التمديد على مصراعيه والذى صنعه السادات فى الدستور صنعه من قبله جمال عبد الناصر الذى حل الأحزاب، 1953 وأوقف العمل بالدستور الديمقراطى الذى صدر عن ثورة 1919 «دستور 1923» وانتزع الصحف من أيدى أصحابها ليضعها فى خدمته 1960 وفصل أساتذة الجامعات 1954 والقضاة 1969 واعتقل وعذب الآلاف وتم إدلاء وتعذيب قرى بأكملها بالسجن الحربى كرداسة 1965 وكمشيش 1966 فجرائم النظام الناصرى تتضاءل أمام جرائم الإنجليز فى دنشواى 1906 . وأنشأ وزارة الإعلام لتحجب على المصريين ما تريد السلطة أن تحجبه من الحقائق وتشيع فيهم ما ترغب فى إشاعته من دعايات كاذبة وقد رشا عبد الناصر الجماهير بالاشتراكية التى لم تكن إلا شعارًا مزيفًا مكنه من السيطرة على وسائل الإنتاج وتحويلها إلى إقطاعات وزعها على رجاله وخسرت مرص كل حروبها فى عهده «حرب 1956- حرب اليمن 1962 - حرب 1967 » وخسرت 65 ألف جندى ومليارات الجنيهات وانتهى الأمر بخرابها وخراب البلاد كلها . فثورة الخامس والعشرين من يناير ثورة على انقلاب يوليو عام 1952 تضع حدا له وتسقط نظامه المهزوم الفاسد هذه حقيقة يجب أن تسلم بها وأساس يجب أن نبدأ منه فمع الانقلاب العسكرى - وكما يقول الأستاذ يوسف زيدان الذى قام به الضباط الأحرار «لاحظ التناقض بين الضبط والتحرر» الذين احترم الملك السابق نفسه معهم وأخلى لهم الساحة فكان منهم ما كان من تعطيل القوانين والاستعلاء عليها والجرى وراء الليالى الحمراء «نسبة إلى الراقصات والفنانات» والليالى الزرقاء «نسبة إى تدخين الحشيش» والليالى البيضاء «نسبة إلى جهل جماعة حكموا البلاد من قبل أن يتموا تعليمهم» والليالى السوداء «نسبة إلى الهزائم على يد الدولة المسماة إسرائيل» والليالى الغبراء « نسبة إلى سلب أموال الأغنياء ومنحها للفقراء لكسب رضاهم» والليالى الرمادية «نسبة إلى احتراق الرموز الفكرية وإيداع المثقفين فى المعتقلات». مبارك لم يكن إلا وريثا للسادات والسادات لم يكن إلا وريثا لعبد الناصر وليس معنى هذا أن العهود الثلاثة كانت صورة واحدة مكررة فالحقيقة أنها تلونت واختلفت. غير أن هذه العهود الثلاثة لم تكن فى الحقيقة إلا مراحل توالت فى ظروف مختلفة لنظام واحد هو النظام الذى صنعه ضباط يوليو وبقيت أسسه وأركانه واحدة وإن تغيرت شعاراته أنها ديكتاتورية تأسست على انقلاب عسكرى لم نخرج منه بعد، وإن وضعنا فى الخامس والعشرين من يناير أقدامنا على الطريق. كل ذلك .. رغم محاولات عملاء الغرب- التى كشفتهم أخيرا وثائق ويكليلكس - وأباطرة ما يسمى جمعيات حقوق الإنسان وتجمعات اليسار المتطرف أفساد المشهد كله. فقد ظلت مصر فى عهد الديكتاتور عبد الناصر بلا برلمان فى الفترة من «1952-1975» والفترة من «1961-1964 » وبلا دستور فى الفترة من «1952-1956». وللحديث بقية بإذن الله