قررت حكومة موسكو رفع الحظر عن بعض الشركات التجارية التركية، وشركات تصدير الفواكه والخضار، وتحديد قواعد تمكن الشركات في عدد من القطاعات من مواصلة أنشطتها التجارية، مبدية مرونة في حظر دخول المنتجات التركية إلى أراضيها عقب تدهور الاقتصاد وحركة التجارة في البلاد مؤخراً. حيث وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يفرض سلسلة من القيود الاقتصادية على تركيا، على خلفية إسقاطها مقاتلة روسية على الحدود السورية التركية نهاية العام الماضي بعد انتهاك المجال الجوي، إلا أن العقوبات الاقتصادية التي أقرت ضد أنقرة بدأت تظهر نتائج عكسية على الاقتصاد الروسي وسط تدهور أسعار النفط. - مخاوف وتزايدت في الفترة الأخيرة مخاوف التجار ورجال الأعمال الروس من عواقب القرارات الحكومية التي قيدت بشكل أكبر الحركة الاقتصادية في البلاد، في وقتٍ تسعى فيه الحكومة إلى خفض نفقاتها تفادياً للإفلاس. واعتبرت تركيا أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها موسكو عليها لن تؤدي إلا إلى تعميق المشكلة بين البلدين، وذلك عقب إيقاف الجمارك الروسية دخول البضائع التجارية القادمة من تركيا، ودعت إلى حل المشكلة بأخذ المصالح التجارية للبلدين، التي وصل حجمها سنوياً إلى 30 مليار دولار، بعين الاعتبار. وتشغل تركيا المرتبة الخامسة بين الشركاء التجاريين لروسيا، ومن أهم الصادرات الروسية إلى تركيا موارد الطاقة والمنتجات الحديدية والمواد الكيميائية، أما الواردات الروسية من تركيا فتشمل النسيج ومنتجاته والماكينات ووسائل النقل ومنتجات الصناعة الكيميائية والمواد الغذائية. - نهوض وتراجع وفي الوقت الذي كانت تأمل موسكو معاودة النهوض مجدداً في اقتصادها عام 2016، يأتي تراجع أسعار النفط المفاجئ إلى أدنى مستوياته ليقلب المعادلة رأساً على عقب، ويطيح بخطط الكرملين الاقتصادية للعام الحالي، إذ أدى تدهور الأسعار إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل، وهو مستوى لم تتخيل موسكو حدوثه، إلى تغيير المعادلة بصورة مفاجئة بالنسبة لموسكو، لا سيما أنها تعتمد على المحروقات لتأمين عائداتها، مع أنها كانت تأمل أن يعود اقتصادها للانتعاش بعد انكماش شديد العام الماضي. وعقب التدهور في الحركة الاقتصادية بينها وبين تركيا من جهة؛ وتباين أسعار الذهب الأسود من جهة أخرى، أعلنت الحكومة الروسية، أنها تستعد لخفض نفقاتها بمعدل 10%؛ تفادياً لإصابة البلاد بالإفلاس أمام انهيار أسعار المحروقات التي تؤمن غالبية عائداتها، حيث قال وزير المالية أنتون سيلوانوف: علينا اتخاذ تدابير مدروسة وتكييف ميزانيتنا مع المعطيات الجديدة، وإذا لم نفعل فسيتكرر ما حدث في 1998، التي شهدت أزمة مالية عميقة تسببت في تخلف روسيا عن سداد ديونها، وسيدفع المواطنون من خلال التضخم ثمن ما لم نفعله عبر تكييف الميزانية، مطالباً الوزارات بتقديم خطة لخفض النفقات بنسبة 10%، مقارنة مع ما هو وارد في قانون الميزانية الذي تم إقراره قبل بضعة أسابيع. ووفقاً للوزير، فإن تصحيح النفقات يمثل 500 مليار روبل (6 مليارات يورو)، ويفترض أن يتم الانتهاء منه قبل نهاية الربع الأول من السنة، مؤكداً أن حكومة بلاده تعمل على توفير عائدات جديدة، لا سيما من خلال بيع حصصها في الشركات العامة، ما يمكن أن يؤمن ألف مليار روبل على مدى سنتين (12 مليار يورو). - عجز وصعوبات وأعدت موسكو ميزانية 2016 بالاعتماد على سعر 50 دولاراً للبرميل، مع عجز 3% من إجمالي الناتج الداخلي، الذي حدده الرئيس فلاديمير بوتين كسقف أعلى، في حين يشير سيلوانوف إلى أنه رغم التمكن من إبقاء العجز عند 2.6% العام الماضي، إلا أن الأمر سيكون أكثر صعوبة هذه السنة. وعانت روسيا، الخاضعة لعقوبات اقتصادية غربية وأمريكية بسبب الأزمة الأوكرانية العام الماضي، انكماشاً اقتصادياً، أدى إلى انخفاض كبير في القدرة الشرائية للسكان، في حين توقع البنك المركزي الروسي، أن ينخفض إجمالي الناتج الداخلي هذه السنة أيضاً إذا استمر انخفاض أسعار النفط، بعد أن تراجع بنسبة 3.7% في 2015، وفق الإحصائيات الحكومية. - تضخم وانكماش وفي مواجهة الانكماش الذي تشهده منذ أكثر من عام، قامت الحكومة الروسية مؤخراً بخفض عدد كبير من موظفي الإدارات الرسمية وقطاعات الصحة والشرطة؛ لتركيز جهودها على القطاعات الصعبة مثل البنوك والبناء والسيارات، وقررت زيادة معاشات التقاعد هذه السنة بنسبة 4% فقط، كما أرجأت خفض الضرائب الذي كان مرتقباً لمنتجي المحروقات، لكنها مددت إجراءات دعم سوق العقارات أو مبيعات السيارات، فيما بلغت نسبة التضخم السنة الماضية 12.9%. وإضافة إلى صعوبات الموازنة والانكماش، وتدهور السوق النفطية، تزيد اضطرابات الروبل من ضبابية الآفاق الاقتصادية لروسيا، حيث بلغ سعر صرف الروبل أواخر العام 2015 في بورصة موسكو، أدنى مستوى له أمام الدولار خلال العام، الذي ارتفع إلى 73.23 روبلاً، فيما بلغ سعر صرف اليورو 80.12 روبلاً، وهو مستوى لم يسجله منذ نهاية أغسطس/ آب، لتكون العملة الروسية سجلت خسارة بنحو 20% أمام الدولار خلال سنة 2015 إثر تراجع بنسبة 40% في 2014. وبعدما تأكدت من أن الاقتصاد تراجع إلى أكبر حد خلال الصيف الماضي، أصبحت السلطات الروسية أكثر حذراً، حيث نبه بوتين إلى ضرورة الاستعداد "لكل السيناريوات"، في حين تتوقع الحكومة في الوقت الراهن ارتفاعاً بنسبة 0.7% لإجمالي الناتج الداخلي العام الجاري بعد تراجع تقدر نسبته 3.7% العام الماضي، لكن البنك المركزي اعتبر أنه مع بقاء أسعار النفط على 40 دولاراً للبرميل طوال السنة فإن إجمالي الناتج الداخلي سيتراجع بأكثر من 2%. وبعد نشره القرار، أشار الكرملين إلى أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة الروسية ضد تركيا تشمل حظر الرحلات الزهيدة الثمن بين روسياوتركيا، ومنع أرباب العمل الروس من توظيف أتراك، وإعادة العمل بنظام تأشيرة الدخول بين البلدين، وتسببت تلك القرارات، بحسب مراقبين، بتراجع الإنتاج الروسي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بعد نمو استمر عدة أشهر، بحسب مؤشر "بي إم إي"، الذي نشره معهد ماركت في وقت سابق، حيث قال صامويل أغاس الخبير الاقتصادي لدى ماركت أن التحليلات الأخيرة تدل على أن الصناعيين (الروس) سيواجهون بداية سنة صعبة، إلا في حال اتخاذ الإجراءات في تحريك الطلب.