إحراق إيرانيين لمقر السفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد، كان خطأ قاتلا، أنهى محاولتها استثمار إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر عالميا لحشر الرياض في زاوية ضيقة من باب حقوق الإنسان، والتشكيك في عدالة المحاكمة، والترويج بأن الحكم طائفي، وأنه دعم للإرهاب. الدعاية الإيرانية كادت أن تستفيد من مواقف عواصم غربية تترتبط بعلاقات صداقة وثيقة مع المملكة بدت في تلك اللحظة غير مرتاحة لتنفيذ الإعدام، وعبرت عن ذلك بنوع من عدم الرضا، ليس من نفس الدعاية الإيرانية، إنما من أسباب حقوقية بالأساس، ورغبة في عدم إثارة التوتر في المنطقة بين بلدين كبيرين يحتاجهما العالم لحل ملفات معقدة في سوريا واليمن ولبنان، كما يحتاج جهودهما في محاربة داعش، والقلق من انعكاسات تصاعد الشحن والاستقطاب السني الشيعي في منطقة تعيش على وقع صراعات وحروب وانفجارات. لكن سريعا وقعت إيران في خطأ قاتل قلب طاولة لعبة التوظيف السياسي لدم مواطن غير إيراني عليها، حرق السفارة والقنصلة عمل مدان دوليا، ففيه اعتداء صارخ على سيادة دولة أخرى، واستهانة بالعلاقات والقوانين الدولية، وعدم قدرتها على الحفاظ على بعثات ورعايا ومصالح البلدان الأخرى على أراضيها، قدمت طهران بحماقة أجهزتها أو تطرف وتعصب بعض مواطنيها المبرر لتقوم السعودية بقطع شامل للعلاقات معها، وتحذو دول أخرى حذوها بقطع العلاقات، أو تخفيض التمثيل الدبلوماسي، أو استدعاء سفراء وتقديم احتجات شديدة اللهجة، كما تحركت الآلة السياسية والإعلامية السعودية لتأكيد صورة إيران بأنها تفتقد أسس وقيم والتزامات المسؤولية كدولة، والتذكير جاء بواقعتي إحراق السفارة البريطانية، والاعتداء على السفارة الأمريكية واحتلالها لأكثر من 400 يوم، تاريخ أسود في العدوان على السفارات الأجنبية، خفتت دعاية الشيخ الشهيد، وتصاعدت الإدانات ضد إيران غير المسيطرة على مواطنيها، وغير القادرة على توفير الحماية للدبلوماسيين والأجانب على أراضيها، أو الدولة المتورطة مباشرة في مثل هذه الأعمال، فإما أن أجهزة منها هى من حرقت السفارة، أو أن الشحن المتعمد ضد الرياض دفع المتعصبين عندها لارتكاب تلك الجريمة، عكست السعودية الوضع، وهى من نجحت في حشر إيران في الزاوية الضيقة، وبدأت بفرض طوق من العزلة حولها. وقد حصلت السعودية على دعم خليجي وعربي قوي عقب اجتماعين وزاريين لمناقشة التدخلات الإيرانية، وحصل تضامن كبير مع الرياض، واليوم تتكرس صورة إيران كدولة منبوذة ذات وجه طائفي لا تراعي حسن الجوار وتتعمد التدخل في شؤونه وغير داعمة للاستقرار الإقليمي والدولي. لكن في ظل الموقف العربي الرافض للتدخلات الإيرانية التي تخرب ولا تبني في سوريا واليمن ولبنانوالعراق والبحرين فإن أتباعها لا يقدرون على إخفاء وجوههم، وتلك مشكلة فعلية، ففي الوزاري العربي امتنع لبنان عن التصويت على بيان إدانة طهران، والعراق تحفظ على جوانب في البيان، حزب الله يصوب بندقيته على رأس الدولة اللبنانية، ويختطفها بسلاحه، ومن المستغرب أنه هو من يوجه السياسة الخارجية لهذا البلد ولأنه امتداد فكري وأيدلوجي وخططي ومالي وعسكري لإيران في هذا البلد فإنه يمنع لبنان عن اندماجه العربي الكامل، و يحدد خياراته في الاتجاهات التي تخدم الأجندة الإيرانية، وكذلك الأمر في العراق الممزق بين عمقه العربي وبين وصاية إيران عليه التي تحدد طبيعة مواقفه لصالحها. تلك مرحلة شديدة الحساسية والخطورة عربيا، ليس من إسرائيل فقط، فهى عدو بالطبيعة الاحتلالية الاستيطانية لفلسطين، لكن التحدي هو من الإرهاب الذي يدخل أطوارا جديدة من التدمير الشامل سواء من تنظيمات أو من أنظمة دموية تصنع الإرهاب أو توفر أسباب نموه والنظام السوري يقوم بهذا الدور منذ خمس سنوات، والاستبداد في العواصم العربية داعم للإرهاب كذلك، وأما إيران فهى تظهر العداوة، والأحقاد، والتوسع والهيمنة، وأنا استغرب من حكام وملالي هذا البلد، لماذا يتعمدون صنع الكراهية لهم عربيا وإسلاميا؟، ولماذا يسعون للتصادم مع العالم فترة طويلة، ومع العرب باستمرار؟. هناك استحالة في استعادة تحقيق الحلم الإمبراطوري، فلا الظروف ولا الأوضاع كما كانت، ولن تسمح بذلك مرة أخرى، ولا قدرات إيران ستساعدها، والإمبراطورية ليست أرضا شاسعة وكسرى جديد اليوم، إنما هى استقرارا في الداخل ورفاهية للمواطنين وعدالة وديمقراطية وحرية، وهى عقل علمي مفكر مخترع مبتكر مفيد للبشرية، وهى في الخارج علاقات طبيعية متنامية وقوية، أكبر دولة اسكندنافية مساحة ليست شيئا فيما تملكه إيران من جغرافية وتاريخ وموارد، لكن الفارق الحضاري شاسع جدا بينها وبين تلك الدول في الرفاهية والتقدم، لا التسليح التقليدي ولا غير التقليدي سيفيد إيران على طريق التنمية، ولا النووي الكوري الشمالي سيخيف الجيران ولن يدفعها للأمام مترا واحدا في النهضة وإلا لكانت الإمبراطورية السوفيتية قد أنقذت نفسها، والصين لم تتحسن أوضاعها إلا بخطط تنموية واستثمارية وانفتاح على العالم وليس بالنووي، ولا بجيشها الأكبر في العالم. 35 عاما على إيران منذ ثورتها على الشاه، ماهو وزنها دوليا وتنمية وتحضرا في العالم اليوم؟. لا شيء، إنما البؤوس والفقر لشعبها، والمغامرات والحماقات التي تجعلها معزولة مكروهة ومنبوذة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.