في خضم الأزمة المتصاعدة التي تشهدها الإخوان المسلمين منذ أيام والتي على إثرها انقسم قيادات الجماعة لجناحين أحدهما يضم القيادات القدامى للجماعة، والثاني يمثله القيادات الشبابية، خرجت أصوات متفرقة أغلبها شبابية تنادي بضرورة تدخل قيادات تركيا وتوسطها لتكون طرفًا في حل الأزمة التي تتفاقم تدريجيًا مع مرور الوقت. وأرجع كثيرون أهمية توسط أنقرة كجزاء من الحل باعتبار أن "أردوغان" الرئيس التركي يحظى بثقل يمكنه من التدخل وإقناع قيادات الجماعة بالتنحي عن السلطة، وتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي داخل الجماعة، فيما رأى آخرون أن تدخلها قد يعقد المشكلة وليس العكس. مساعٍ للتهدئة ورغم طرح جمال حشمت القيادي البارز بالجماعة، وعضو مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان، مبادرة في بداية الأزمة ودعوته للشيخ القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين للبحث عن حلول للأزمة، وتشكيل لجنة للتحقيق من خارج التنظيم يرأسها الشيخ القرضاوي وبها عضوان يختار أحدهما كل فريق لوضع الأمور في نصابها ومحاسبة المخطئ مع الكف عن الحديث الإعلامي حول الخلافات التي هي محل تحقيق من أطراف الخارج فقط لمدة شهر ثم تعلن قراراتها بالشكل الذي ترتضيه اللجنة وتكون ملزمة لكل الأطراف، إلا أن البعض شدد على ضرورة الوجود التركي. وقال حشمت، في هذا الشأن إن هناك مساعي تبذل لحل أزمة الإخوان، مطالبًا بوقف القرارات والبيانات المتبادلة، لنجاح تلك المساعي، مشيرًا إلى أن المبادرة سالفة الذكر بقيادة القرضاوي، تماشت مع ما أوصي به الشيخ محمد الراشد، وقيادات الداخل والخارج في شهر أكتوبر الماضي، تؤكد أن تنفيذ قرارات الإيقاف والحل والاستبعاد ليست من الحكمة في شيء بل هي توتير للأجواء وإصرار على التفرد بالإدارة بعيدًا عن لم الشمل والحوار". وأَضاف قائلاً: "نعم نحن مصرون على وحدة الصف وتجاوز الخلاف لأنه ليس ترفًا بل ضرورة الجميع ينتظر رؤيته والتفاعل معه". وحول مستقبل المساعي لحل أزمة الإخوان في ضوء وقع القرارات والاستقالات، ناشد حشمت القادة والأفراد، الإنصات إلى صوت العقل، وترك المساعي تسير في طريقها، وتجنب إثارة مشاكل جديدة، والتركيز على ما هو أهم ويفيد الجماعة وقبلها الوطن الذي ينتظر ثورة تخلصه من النكسات التي يحييها منذ سنتين. وفي إطار محاولة التهدئة أطلق القيادي الإسلامي البارز بمصر "إبراهيم الزعفراني"، فور وقوع الأزمة مبادرة نصها جلوس قيادات التنظيم العالمي (هيئة تنفيذية) للإخوان المسلمين، وكل قيادات الإخوان المسلمين وقيادات الجماعات الإسلامية في الأقطار العربية والإسلامية، ورئيس وأعضاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والشيخ يوسف القرضاوي، ويوسف ندا (مفوض العلاقات الدولية السابق بالجماعة) وكمال الدين إحسان أغلو (أمين عام منظمة التعاون للدول الإسلامية الأسبق)، وراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية بالتوسط العاجل بين القيادات الإخوانية المصرية لرأب الصدع الذي حدث بينهم" على مائدة حوار لوضع رؤية لتدارك المشكلة. تركيا بين دورها في حل الأزمة وتفاقمها فيما يخص التوسط التركي أكد محمد سودان، القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين، أمين لجنة العلاقات الخارجية بحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية ل "الإخوان المسلمين" وجود محاولات جادة في هذا الشأن لمحاولة التوصل لحلول للأزمة المتصاعدة مع الجميع. شدد سودان في تصريح خاص ل"المصريون" على أهمية اللجنة المكونة من الشيخ يوسف القرضاوي، والغنوشي، ويوسف ندا، وأغلوا، بين الطرفين لإطفاء نار الفتنة. بينما استبعد الدكتور أشرف عبدالغفار، القيادي البارز بجماعة الإخوان تدخل قيادات تركيا كوسيط لحل الأزمة قائلاً: "لا أظن ذلك وقد حاول كثيرون ولكن التحجر والتكلس أصاب عقول القيادات التاريخية إلا من رحم الله"، مضيفًا: "للأسف الجميع أدرك ذلك". وأَضاف عبدالغفار في تصريح خاص ل"المصريون" أن الحل الوحيد لهذه الأزمة يتمثل في تنحية القيادات القدامى عن المشهد، قائلاً: "مَن يقدم المصلحة العامة على الخاصة يبادر بذلك دون طلب". وافقه في الرأي سامر إسماعيل، الناشط السياسي المهتم بالشأن الخارجي والمحسوب على جماعة الإخوان قائلاً: "إن ظهور الأزمة دليل على أن تركيا لا سلطة لها على الإخوان" مضيفًا: "لو كان لها سلطة من البداية على قيادات إخوان مصر لما وقعت تلك الأزمة". وأشار إسماعيل إلى أن أردوغان في نظر تنظيم الإخوان - وهنا أقصد قادة الإخوان التنظيميين الكبار- متمرد على الإخوان في تركيا وعلى زعيمه نجم الدين أربكان لكنه في نفس الوقت يمثل نموذجًا للشاب الإخواني والإسلامي المعتدل عمومًا، مؤكدًا أنه لو تدخلت تركيا رسميًا بشكل مباشر فهذا يضر بالإخوان لأنهم بذلك أصبحوا قوة لدولة أجنبية. وبين أن الأمور تسير في اتجاه انقسام تنظيم الإخوان أو على الأقل حدوث خلل تنظيمي كبير يتحولون من خلاله إلى شكل أقرب بالأحزاب لا للتنظيمات. ومضي بقوله: "الأيام الأخيرة شهدت تمردًا غير مسبوق على رموز الإخوان خاصة الدكتور محمود عزت والدكتور محمود حسين بشكل يمثل تهديدًا لفكرة التنظيم التي على أساسه قامت جماعة الإخوان". خبير بالحركات الإسلامية: تدخل تركيا ربما يكون جزءًا من المشكلة وفي السياق ذاته، قال هشام النجار، الباحث في الحركات الإسلامية، إن تركيا هي الأخرى في مأزق بسبب تدخلها في الأزمة السورية بشكل مباشر، فضلاً عن المشكلة الأخيرة التي وقعت فيها مع الدب الروسي على خلفية إسقاطها للطائرة الحربية التابعة لموسكو والعقوبات التي فرضتها الثانية عليها، مشيرًا إلى أن كل ذلك قد يبعدها عن المشاكل الفرعية والأزمة الداخلة لجماعة إخوان مصر. وأكد النجار ل"المصريون" أنه لو حدث ذلك ربما يكون جزءًا من المشكلة وليست العكس، مشيرًا إلى أن الجانب التركي يسعى لعسكرة "المشهد الإخواني" على غرار المعارضة السورية؛ لأن تركيا تعتمد على المشروع الإسلامي السياسي في مصر والشام وليبيا، وبالتالي تدخلها في الأزمة في صالحها وقد يصعد الأزمة - على حد قوله. وذكر الخبير بالحركات الإسلامية أن السيناريو المتوقع هو أن تشهد الجماعة أكبر انشقاق تاريخي لها، لاسيما أنها تفتقد لقيادات قوية فكريًا وعلميًا تستطيع أن تأخذ الجماعة لمسار التهدئة أو المراجعات وكل الصراعات الآن على القيادة. ودخلت أزمة الإخوان أسبوعها الثاني وهي تعد الأزمة الثالثة من نوعها خلال عام بعد أزمتي مايو وأغسطس، حيث شهدت الأزمة الثالثة بيانات متصاعدة تتحدث عن أزمة في إدارة التنظيم الأكبر في مصر، والذي تأسس عام 1928، حيث أعلن مكتب "الإخوان المسلمين" في لندن إقالة "محمد منتصر" من منصبه كمتحدث إعلامي باسم الجماعة، وهو ما نفاه الأخير. وانقسمت الجماعة الآن لفريقين الأول بقيادة "العواجيز" والشيوخ ويضم محمود عزت نائب المرشد والقائم فعليًا بعمل المرشد بتعليمات من محمد بديع مرشد عام الجماعة المحبوس حاليًا على ذمة عدة قضايا، ومعه محمود حسين أمين عام الجماعة ويعاونهما محمد عبد الرحمن المسئول عن الجماعة في الخارج. أما الفريق الثاني فيتزعمه عضو مكتب الإرشاد محمد كمال الذي يعتبره الشباب بمثابة المرشد حاليًا في مصر، وتعاونه مع مجموعة كبيرة من الشباب وقيادات الصف الثاني، ويتولى مسؤولية التنسيق الإعلامي لهم محمد منتصر المتحدث السابق باسم الجماعة.