ما إن حذر الزعيم الإسلامي السوداني المعارض حسن الترابي من احتمال اندلاع ثورة قريبا ضد نظام الرئيس عمر البشير، إلا وتساءل كثيرون عن مدى نجاح المعارضة في حشد الشارع خلف هذا الأمر، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة لها بالتشرذم وتباين وجهات نظرها حول أسلوب التغيير وما إذا كان عن طريق الانقلاب أو الانتفاضة الشعبية. وكان الترابي، الذي يتزعم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، توقع أن تندلع ثورة ضد نظام البشير قريبا، لأنه لم يتمكن من التغلب على الأزمة الاقتصادية وحركات التمرد في إقليم دارفور والمناطق الحدودية. وقال الترابي للصحفيين في الخرطوم في 5 يناير :"إن الثورة في السودان ستأتي بغتة ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بها، لكنها ستحدث قريبا". وأضاف أن الإطاحة بحكومة البشير وحدها ستنهي مشكلات السودان، ونفى في الوقت ذاته تهمة التخطيط لانقلاب عسكري التي وجهها إليه مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني محمد عطا، قائلا:" نحن نريد التغيير سلميا وشعبيا وسنعمل على ذلك من خلال العمل الجماهيري". واللافت للانتباه أن تصريحات الترابي " 79 عاما" جاءت بعد أن أغلقت السلطات السودانية صحيفة "رأي الشعب" التي يملكها حزبه بزعم أنها تنتهك المعايير المهنية، كما جاءت متزامنة مع انتقاد أحزاب المعارضة السودانية ماوصفتها بالحملة الشرسة التى تشنها السلطات على الحريات العامة والتى تمثلت باعتقال عدد من طلاب جامعة الخرطوم والقيادى بحزب المؤتمر الشعبى المعارض إبراهيم السنوسي. بل ولم يستبعد الترابي الذي كان أحد أبرز مساعدي البشير خلال الانقلاب العسكري عام 1989 وأصبح أحد أشرس خصومه بعدما استبعده عن السلطة في 1999 اعتقاله مجددا بعد أن سجن من يناير حتى مايو من العام الماضي، لدعوته إلى قيام ثورة شعبية ضد "الفساد" في البلاد. ورغم أن هناك أمورا تدفع على الاعتقاد باحتمال صحة تحذيرات الترابي حول الثورة الشعبية، إلا أن هناك من يشكك في احتمال حدوث هذا الأمر على الأقل في الوقت الراهن، والطبع لكل من وجهتي النظر السابقتين ما يبررهما. فوجهة النظر الأولى تستند إلى قيام الحكومة بتعويض خسارة معظم مواردها من النفط بعد انفصال الجنوب بفرض المزيد من الضرائب التي أثقلت كاهل الشعب السوداني، ومواصلتها تقييد الحريات، بالإضافة إلى احتمال اندلاع تمرد عسكري أيضا في إقليم شرق السودان على ضوء ما يعانيه من انتشار للفقر. كما تشهد مناطق مختلفة من السودان اضطرابات وقتالا بين الحكومة ومتمردين، وجرت في عدد من المناطق السودانية أيضا تظاهرات مناهضة للحكومة في الفترة الأخيرة . بل وذكرت منظمة "هيومان رايتس وتش" أن الحكومة السودانية اعتقلت 250 شخصا بينهم طلاب وناشطين خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام المنصرم. وفي المقابل، ترى وجهة النظر الأخرى أن البشير نجح مؤخرا في اختراق المعارضة عبر تشكيل حكومة جديدة في ديسمبر الماضي ضمت عددا من أحزاب المعارضة أبرزها الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني . وفيما أبقى البشير الوزارات الأساسية تحت سيطرة حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامته، فاجأ معارضيه أيضا بالإعلان في 28 ديسمبر عن اغتيال زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة في إقليم دارفور خليل إبراهيم . وكان البشير اعتبر مقتل خليل إبراهيم رسالة لأطراف داخلية لم تميز - حسب قوله- بين حق الوطن ومعارضة الحكومة ولم تستوعب المتغيرات بالمنطقة, وعلى رأسها تحسن العلاقات مع تشاد وسقوط نظام العقيد معمر القذافي وتوقيع وثيقة سلام الدوحة. بل وأكد مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني الفريق محمد عطا المولى في 4 يناير فشل الأحزاب التي تسعى لإسقاط الحكومة بطرق غير ديمقراطية فى تحريك الشارع وصنع ربيع عربى بالسودان. ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن عطا القول إن دخول اتفاق الدوحة لسلام دارفور حيز التنفيذ قلل من فرص أحزاب المعارضة لخلق ربيع عربى فى السودان، مشيرا إلى أن الحزبين المعارضين، المؤتمر الشعبى والشيوعي، اتفقا على إسقاط الحكومة، دون بقية الأحزاب المعارضة. وبصفة عامة، وإلى حين اتضاح طبيعة التطورات في السودان في الأيام المقبلة ،فإن الأمر الذي لاجدال فيه أن تصاعد الأزمة السياسية هناك يوفر فرصة ذهبية لإسرائيل لتنفيذ بقية مخططاتها الهادفة لتمزيق هذا البلد العربي أكثر وأكثر.