مازال المجتمع الدولي يمارس النفاق والكذب على الشعوب المغلوبة على أمرها ، ونقصد بالمجتمع الدولي هنا الحكومات المهيمنة على القرار الدولي ، وهي وحدها التي تقرر شرعية حكومات الدول الصغيرة ، فنجدها تقرر شرعية حاكم ولو كان هاربا من بلاده ، أو يسيطر على جزء محدود منه ، بل لا يملك أية نفوذ على عاصمة بلده !! وتنكر على الغالبية من شعوب هذه البلدان حق تقرير مصيرها ، واختيار حكوماتها ، وشواهد ذلك كثيرة .. هذه المواقف الغريبة برزت ملامحها منذ أن اعترف هذا ( المجتمع المفبرك ) بتايوان كممثلة للشعب الصيني ، ومنحها مقعدا دائما في مجلس الأمن !! واليوم وبعد مرور أكثر من ستة عقود مازال مايُعرف بالمجتمع الدولي يمارس نفس السياسة والمواقف ، ولا تملك الدول والشعوب المسحوقة غير الإذعان والقبول المذل للسيد المتغطرس .. وآخر مفارقات الكذب والدجل نراه هذه الأيام كيف ؟ الجميع أدان تفجيرات بيروت وباريس ، وكأن داعش نزلت من السماء ، ولم يكن أحد قد دعمها بالمال والسلاح ، وفتح لها ممرات الدخول للاحتلال والسيطرة في مناطق عديدة ، واشترى منها النفط ، ومكنّها من التفجير والعربدة ، كل ذلك ، يدلل بما يدع مجالا للشك أن أجهزة الاستخبارات الفاعلة ، قد مررت كل تلك المآسي ، إذ لا تستطيع مجموعات من المتطرفين أن تحشد كوادرها في غفلة منها ، إذن ، لماذا الكذب الفاضح على الشعوب ؟! ومن ذلك ينبغي أن نلاحظ أن هناك خطط تبدو متناقضة بين المسارين السياسي والاستخباراتي في هذه الدول ، وهما مساران يقعان بصورة متوافقة ضمنا ، بحيث تتعامل الدول مع بعضها بوجهين لعملة واحدة .. فمن جهة تبدئ سياسات هذه الدول الرغبة في تحقيق الديمقراطية والرخاء والتطور للشعوب ، وفي ذات الوقت تفسح المجال لأجهزتها الخفية لأعمال التخريب والتدمير والفتنة المستهدفة ، وهي بذلك تحقق غايات عقلها الباطن ، فالغرب بهمه أن يشتت العالم الاسلامي ، وخاصة العربي منه ، ويتناثر إلى دويلات متناحرة مذهبيا وقبليا وسياسيا ، لتبقى هيمنة هذة الدول وإسرائيل مستمرة ومؤكدة .. صحيح أصاب الغرب بعضا من شظايا هذه الفوضى ، ولكن تأثيرها على عالمنا الإسلامي والعربي كأن أبعد مدى ، وأخطر تأثيرا على أوضاعه بل وعلى مستقبله وأمنه .. وشعوبنا المسحوقة تتأثر بكلمات وتصريحات ساسة الغرب المعسولة ، وتتجاهل الوقائع الفعلية على الأرض ، وقد تشتت توجهات هذه الشعوب وتاهت بوصلتها نتيجة الضخ الإعلامي الرهيب والمضلل لهذه الشعوب ، والذي ترعاه حكوماتها العميلة ، مقابل حمايتها من شعوبها وقواها الحية .. ولكنني ، أقول : برغم أن المشهد حالك وقاتم السواد إلا أنه سوف يتبلور فيه الرأي الصائب ، إذ من عبر التاريخ ، نجد أن المخاض العسير للشعوب لا بد ان يبزغ فيه الفجر الموحد للأمة ، ولو بعد حين ، ولعل الغرب يجهل هذه الحقيقة ، فلو رجع الغرب لعصوره الوسطى ، لعلم أن نهضته انبثقت من رحم تلك الحقبة المظلمة ، فالصهر كفيل بتنقية المعدن من أدرانه .. وحال الغرب مع الدواعش كحال الإعرابية التي أرضعت جرو الذئب من شاتها ، ثم ندمت بعد ذلك فقالت : بقرت شويهتي وفجعت قلبي ... وأنت لشاتنا ولد ربيب غذيت بدّرها وربيت فينا. ... فمن أنباك أن أباك ذيب إذا كان الطباع طباع سوء ... فلا أدب يفيد ولا أديب وانطبق على الغرب المثل العربي الشهير : على نفسها جنت براقش .. ومع كل هذا الضجيج وخطب الإدانة لما حدث ، مازلت على يقين من استمرار الغرب في دعم داعش ، وإن بأساليب وطرق أكثر حذرا من أن يصل شره إلى بلدانه ..فحسبنا الله ونعم الوكيل .