على قد لحافك مد رجليك هذا هو المثل المصرى الشهير، والذى مبتغاه التوفير، وهو مستوحى من حديث النبى صلى الله عليه وسلم، "ماعال من اقتصد"، أى أن النبى صلى الله عليه وسلم يقصد أن من يدبر ميزانية الأسرة بما يقلل من استهلاكه ويزيد من مدخراته فلاشك أن أى مجتمع أو فرد بهذه المواصفات سيتطيع أن يرتقى بما يضع للمجتمع اقتصاداً قويًا. والحقيقة أن علم الاقتصاد أو علم المالية العامة يطبق عكس هذا المثل على طول الخط بالنسبة لمالية الدولة بمعنى أن الحكومة تمد رجليها كيفما تشاء ثم تبحث لها عن لحاف فخم تغطى به نفقاتها.. معنى هذه النظرية أنه إذا كان دخل المواطن 1000 جنيه وأنفق أقل منها فإنه فى أمان وراحة وطمأنينة، أما إذا زادت نفقاته عن دخله فسوف يقع فريسة الدين والدين هم بالليل ومذلة بالنهار. ونفس الأمر للدول فإن زادت نفقاتها على إيرادتها وقعت فريسة لعجز فى ميزانيتها وعليها أن تسدد هذا العجز فإما أن تلجأ إلى زيادة الإيرادات أو تقليل المصروفات أو الاقتراض، والحل الثانى، وهو تقليل المصروفات والنفقات مرتبط بموافقة البرلمان عليها وعادة ما يلقى تخفيض النفقات والمصروفات من مقاومة شديدة سواء من الجمهور أو أعضاء البرلمان. إذاً فالحل السريع والمريح هو الاقتراض، والاقتراض عادة ما يكون متبوعًا بدفع فوائد مرتفعة، مما تؤدى إلى زيادة تكاليف الاقتراض، وأن يدفع فاتورة الاقتراض الأجيال المقبلة نتيجة تأجيل الديون وجدولتها ودفعها بأقساط، وهو ما يختلف من دولة إلى دولة، وهذا الحل ما تبعته الولاياتالمتحدة من تمويل عجز الموازنة الأمريكية بالاقتراض سواء أكان داخليا أو من خارج الولاياتالمتحدة، مما بلغ بها حجم الدين الأمريكى إلى14.3 تريليون دولار، وهذا ما يساوى حجم إنتاجها السنوى كله على حين بلغ حجم الدين الحكومى اليونانى بلغ 120% من حجم الناتج.. مما أدى إلى تضخم فى عجز ميزانيتها ليصبح 12.7% من حجم الناتج القومى اليونانى. وخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، اعتادت بعض من الدول الأوروبية فى مقدمتها اليونان وأسبانيا والبرتغال على مستوى معيشة أعلى مما يسمح بها مستوى الناتج سواء أكان ذلك بدعم الدول الأوروبية الأغنى فى الشمال مثل ألمانيا وفرنسا، فى إطار مشروع مقاربة مستوى التطور الاقتصادى والاجتماعى فى دول الاتحاد الأوروبى، أو عن طريق الاقتراض.. غير أن زيادة النفقات عن الإيرادات أدت إلى زيادة العجز بما تجاوز الحدود المسموح بها ووصل فى دول كاليونان وأسبانيا والبرتغال وأيرلندا إلى حدود مرتفعة للغاية، فإيطاليا على سبيل المثال تعانى عجزا ماليا أقل كثيرا من الولاياتالمتحدة (4% من الناتج المحلى الإجمالى، مقارنة بنحو 10% بالنسبة للولايات المتحدة). وقد طلب وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبى من صندوق النقد الدولى تمويل حزمة دعم ضخمة لإنقاذ إيطاليا.. وكذلك دعوة المستثمرين الأجانب مثل البنك المركزى الصينى وغيره من البنوك المركزية الآسيوية والعربية إلى شراء السندات الأوروبية المدينة حتى تساهم فى إنقاذ دول جنوب أوروبا. إذا من المتوقع أن يستمر هذا المأزق.. حتى يتم الحصول على أكبر مكسب ممكن من الدول المدينة عن طريق إجبارها على تخفيض نفقاتها، مما يستدعى برامج للتقشف الاقتصادى التى تؤدى فى النهاية بالحد من برامج تمويل ومساعدة الفقراء فى المجتمع.. لكن السؤال هل هذه السياسة هى المتوقعة لمصر بعد الثورة، هذا ما سوف نعالجه فى المقال المقبل. [email protected]