يبدو أن إعلان الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو عن إطلاق مبادرة من أجل تحقيق المصالحة الوطنية في الصومال جاء في توقيته تماما، خاصة وأن التوغل العسكري الإثيوبي والكيني المتزايد هناك بدأ يثير قلقا واسعا، بالنظر إلى أطماعهما التاريخية في هذا البلد العربي المسلم المنكوب الذي يعاني الأمرين ، الحرب والمجاعة. وكان أوغلو قال في تصريحات صحفية بمناسبة حلول العام الجديد إن المنظمة تعني بالشأن الصومالي عن قرب، وذلك على المستويين السياسي والإنساني"، مشيرا إلى أن الجهود الإنسانية للمنظمة في الصومال التي بدأت في أغسطس الماضي دخلت مرحلة التعافي، عبر حفر قرابة 700 بئر ماء صالح للشرب بتكلفة 85 مليون دولار، في أكبر عملية حفر آبار يشهدها هذا البلد في تاريخه. واللافت للانتباه أن التصريحات السابقة متزامنة مع تحذير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية من أن سيطرة القوات الإثيوبية على مدينة بلدوين الاستراتيجية بوسط الصومال وتخليصها من قبضة حركة "شباب المجاهدين" في آخر أيام العام المنصرم من شأنه أن يشعل الصراع في الصومال. وأضافت الصحيفة أن التطور السابق لن يمثل نهاية العمليات العسكرية الإثيوبية في الصومال ، حيث ستسعى أديس أبابا إلى مواصلة القتال ضد حركة شباب المجاهدين باستهدافها لمدينة بيدوا، إحدى المعاقل القليلة المتبقية لها، مستندة إلى أن أديس أبابا كثفت من أعداد وتسليح قواتها التي دخلت الأراضي الصومالية مؤخرا خلافا لما كان يحدث قبل ذلك . وتابعت "نيويورك تايمز" أن قوات صومالية شاركت القوات الإثيوبية في عملية بلدوين ، حيث طالبت القوات الصومالية سكان المدينة بالاحتماء بمنازلهم وعدم التطلع على ما يحدث خارجها في خطة اعتقد بعض السكان بأنها محاولة لإخفاء حقيقة الأعداد الكبيرة من الجنود الإثيوبيين الذين وفدوا إلى المدينة لمقاتلة حركة شباب المجاهدين. ولعل ردود أفعال الحكومة الانتقالية وحركة شباب المجاهدين على سيطرة القوات الإثيوبية على بلدوين تؤكد حجم الكارثة التي تنتظر الصومال في العام الجديد في حال لم يتحرك العرب والمسلمون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ففي بيان له في مطلع العام الجديد، أعلن رئيس الوزراء الصومالي عبد الولي محمد عن بدء عملية عسكرية واسعة أطلق عليها "عملية إعادة الأمن والاستقرار" بالتعاون مع المجتمع الدولي ودول الجوار من أجل تحرير البلاد من "استعمار" شباب المجاهدين، مشيرا إلى أن الشعب والحكومة عازمان على محاربة تنظيم القاعدة وحركة شباب المجاهدين اللذين مارسا -وفق وصفه- منذ فترة أعمالا إرهابية قتلوا فيها عددا كبيرا من الصوماليين. وطلب عبد الولي محمد من المجتمع الدولي وإثيوبيا بصفة خاصة الوقوف إلى جانب القوات الصومالية ودعم عملياتها العسكرية التي وصفها بالتاريخية الرامية لإزالة ما اعتبره تطرف شباب المجاهدين. وجاءت التصريحات السابقة بعد ساعات من تمكن قوات حكومية بمساندة أخرى إثيوبية من السيطرة على مدينة بلدوين، بعد معارك دارت بينهما وبين مقاتلي الشباب المجاهدين أسفرت عن مقتل 15 شخصا من الطرفين. وفي تعليقه على المعارك السابقة ، قال المتحدث العسكري لحركة شباب المجاهدين الشيخ عبد العزيز أبو مصعب في تصريحات لقناة "الجزيرة" إن مقاتليهم فضلوا الانسحاب إلى أطراف مدينة بلدوين تكتيكيا لتنتشر القوات الإثيوبية داخل المدينة بغية الانقضاض عليها بعد تكبدها خسائر كبيرة في معارك 31 ديسمبر. وأضاف أبو مصعب أن قواتهم هزمت القوات الإثيوبية المهاجمة التي قدر عددها ب3500 جندي تساندها عشرات السيارات المدرعة والآليات عسكرية، إضافة إلى مجموعة من المدافع الثقيلة في ثلاث جولات من المعارك بمدينة بلدوين. وتوعد المتحدث العسكري لحركة شباب المجاهدين القوات الإثيوبية بالويل وبضربات موجعة في الأيام القادمة، مشيرا إلى أنهم قادرون على مواجهة ما وصفه بالعدوان الذي تقوم به القوات الإثيوبية ضد الأراضي الصومالية التي قال إنهم لقنوها درسا إثر تدخلها في الصومال عام 2006. ويبدو أن الكارثة لن تقف عند ما سبق، حيث عبرت القوات الكينية الحدود إلى الصومال في أكتوبر الماضي أيضا لمهاجمة حركة شباب المجاهدين التي تلقي نيروبي باللائمة عليها في عمليات خطف وهجمات عبر الحدود داخل أراضيها، لكن الحركة نفت تلك المزاعم وتوعدت برد كبير على كينيا. بل وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في أكتوبر الماضي أن الولاياتالمتحدة بنت شبكة من القواعد السرية لطائرات بدون طيار في القرن الإفريقي و"شبه الجزيرة العربية" في إطار حملة نشطة ضد جماعات مرتبطة بالقاعدة في الصومال واليمن، ولذا لن يكون مستغربا تصاعد وتيرة القتال في الصومال في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، حيث يسعى أوباما لإنجاز خارجي في مواجهة ما سماها تهديدات القاعدة للفوز بولاية ثانية. والخلاصة أن مبادرة منظمة التعاون الإسلامي جاءت في توقيتها تماما للبحث عن أرضية مشتركة للحوار بين الفرقاء الصوماليين حقنا لدمائهم وتفويت الفرصة على المخططات الإقليمية والدولية الجديدة ضد بلادهم.