«داعش» صنعت لغرض في نفس يعقوب قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن التنظيمات الإرهابية المسلحة، والتي خص بالذكر منها تنظيم الدولة "داعش" "صُنعت صنعًا لحاجة في نفس يعقوب، ومعنى في بطن الشاعر، وقد صار اللعب الآن على المكشوف، وظهر ما كان بالأمس مستخفيًا". وأضاف الطيب متوجهًا إلى طلاب الجامعات المصرية في لقائه معهم بجامعة القاهرة مساء اليوم: "لعلكم أصغيتم السمع إلى رؤوسا الدول وهم يتبادلون التهم حول شراء البترول من جماعات الإرهاب في بلادنا العربية". وتابع "لعلكم تتساءلون معي: هل القضاء على حاكم حتى لو كان ديكتاتورًا يتطلب إبادة دول وشعوب؟ وقتل ثلاثة أرباع مليون من الرجال والنساء والأطفال في بلد واحد وحرب واحدة؟ وإني لأترك الإجابة الأليمة لفطنتكم ووعيكم، فقد يكون جيلكم أوعى بهذه الظروف وبملابساتها، من جيلنا الذي بدأ يميل إلى الغروب". ودعا الطيب، الشباب إلى أن يكونوا على مستوى المسؤولية التي تقع على عواتقهم، وأن يكونوا على ذكر دائم لأمانة الوطن التي سيلقون بها ربّهم. وحثهم على أن يوطنوا أنفسهم على قراءة الواقع قراءة رشيدة، وأن "يتوقفوا عن الجري وراء الوظيفة الحكومية والتشبث بها، وضياع زهرة العمر في انتظارها، والنفور من العمل اليدوي، وعبادة الشكل والمظهر، والركون إلى الدّعة والراحة". وذكّر شيخ الأزهر، الشباب بالميراث الحضاري الذي قال إنهم "يتميزون به عن بقية شباب العالم"، قائلاً لهم: "أنتم تسندون ظهوركم إلى حضارات أصيلة تجري في دمائكم وعروقكم وهي: حضارة قدماء المصريين، والحضارة المسيحية في مصر، والحضارة الإسلامية والعربية". وأشار إلى أنه عندما زاره في مكتبه رئيس كنائس الصين، وسأله عن أعرق الحضارتين وأقدمهما: أهي حضارة الصين أم هي الحضارةُ المصرية القديمة؟ قال إنه "لم يتردد في القول بأن حضارة مصر هي الأقدم، ولم تأخذني الهزة التي تأخذ كل مصريِّ وهو يطرب لسماع هذا الكلام.. بل ألم بي شيء غير قليل من الانقباض، حين قارنت ما وصلت إليه حضارة الصين الآن، وما وصلت إليه حضارة مصر التي هي أعرق وأقدم". ووصف الطيب، الحضارة الإسلامية، بأنها "أحدث الحضارات الشرقيةِ، وأعمقُها أثرًا في نفوسنا، تشبه المثلث المتساوي الأضلاع، هذه الأضلاع هي: الوحي الإلهي، والعقل المنضبط بالوحي، والأخلاق". وحذر الشباب من "أن يظنون أن الإسلام منحصر في المساجد وفي الرسوم والأشكال، وأنهم –فيما وراء ذلك -أحرار في إطلاق ألسنتهم بنقد زملائهم وتجريحهم، وأنهم متميزون عن بقية خلق الله". وقال إن "على هؤلاء أن يتيقظوا جيدًا لهذا التشريع النبوي في أمر العلاقة بين الأخلاق والعبادة حتى لا يغامروا بعبادتهم ويُلقوا بها في مهب الريح ويصيروا إلى ما صارت إليه هذه المرأة التي ألقى بها لسانها في قرار جهنم وبئس المصير". واستطرد شيخ الأزهر متوجهًا إلى الشباب "عليكم أن تدركوا الحدود الفاصلة بين العقل المستضيء بنور الوحي الإلهي ونصوصه الصحيحة الثابتة، والعقل الجامح الذي يدمر في طريقه كل شيء، واعلموا أن للعقل مجالاً، وللوحي مجالًا آخر، وأن الخلط بينهما، أو الاعتماد المطلق على أحدهما في مجال الآخر، لا يؤدي إلَّا إلى الاضطراب". ورأى أن "الجموح العقلي أو الفكري إنما يكون بسبب سقوط الحدود الفاصلة بين هذين المجالين، حيث ينفلت العقل ويجمح إما إلى الإلحاد وإضلال الناس، وإما إلى الانغلاق والانسحاب وتكفير الناس، وكلاهما مرض نفسي وفكري، وغايته ضلال وتخبط في النظر والاستدلال، وما أعظم ما قرره أئمة علم الكلام في هذا الأمر، وما بينوه من الفروق الدقيقة بين الدليل العقلي والدليل النقلي ومجالات كل منهما، وكيف أن إبطال أحدهما لحساب الآخر يكرُّ بالنقض والإبطال على الدليلين معًا". وحث الطيب الشباب على أن يقفوا إلى "جوار مصلحة هذا البلد الذي نأكل ونشرب من خيراته، ونتعلم ونسرح ونمرح على ثراه، ولا تكونوا من الذين يأخذون من مصر بأيمانهم ويطعنونها من الخلف بشمائلهم، فما هكذا الرجال، وما هكذا أهل المروءة والوفاء". وفيما ذكر بأنه يتفهم أزمات الشباب قال "لم أنس أبدًا آلام جيلي أيام أن كنت شابًا، ولا مسؤولياته عن أوضاع فرضت عليه فرضًا لم يشارك في صنعها، ولم يكن له فيها ناقة ولا جمل.. كنا ندفع فواتير الحساب لغيرنا، ونتحمل تبعات خطأ الآخرين.. وقد عرفنا الحروب، وما خلفته من دمار، وأزمات اقتصادية واجتماعية، وكان أقساها على نفوسنا انسدادَ باب العدالة الاجتماعية والمساواة في وجوهنا". ومضى متوجهًا إلى الشباب "أنتم وإن كنتم تعيشون مشكلات شبيهةً بهذه المشكلات، إلا أن التخلص منها لن يستعصى على حكمتكم وفطنتكم وصبركم، ما دامت لكم إرادة صادقة، وفكر هادئ متزن ورؤية صحيحة للواقع والأحداث، وما يُحاكُ للمنطقة ويتربص بها من وراء البحار". ودعا الطيب، المسؤولين في الدولة إلى أن "يشاركوا الشباب في تقشفه وفي معاناته، وأن يقاسموه همومه وآلامه، بخطط عملية، بعيدة كل البعد عن الشعارات التي لاتقول شيئًا، والتي يسخر منها الشباب، ولا يجد فيها فائدة تمس حياتهم أو تغير من واقعهم". وأعرب عن تطلعه لأن يستثمر الأثرياء والمستثمرون أموالهم في التقليل من معاناة الشباب، والأخذ بأيدهم نحو نهضة حقيقية يلمسون آثارها لمسًا مباشرًا، متسائلاً: لماذا لا يستثمر القادرون أموالهم في بناء وحدات سكنية بأجرة قليلة لتمكين الشباب الرقيق الحال من الاستقرار النفسي ومن بناء أسرة صغيرة. وتابع متسائلاً: "لماذا لا تتغير ثقافة المجتمع في مسألة تكاليف الزواج وتعقيداته التي لا معنى لها، والتي وصلت إلى حد التكليف بما لا يطاق، وأين دور الفقهاء والعلماء والدعاة والإعلاميين والمثقفين والفنيين في تغيير هذه العادات السيئة، التي جاء الإسلام ليحطمها وينقضها من الأساس"؟