بعد أن عادت الفصائل والحركات الفلسطينية، الوطنية والاسلامية، من لقاء المصالحة الاخير في القاهرة، يكون الفلسطينيون قد قطعوا شوطا جديدا على طريق الوحدة الوطنية، وأنجزوا قدرا مهما من عملية المصالحة التي ما زالت، وفي عامها الحادي والعشرين، لم تصل خط النهاية. هذه الجهود بحسب أحد الناشطين السياسيين من الذين شاركوا عن قرب في حوارات العاصمة المصرية "تأخذنا الى المربع الاول لنبدأ من جديد". وهذا التوصيف مناهض لروح التفاؤل التي سادت الساحة الفلسطينية، ولتصريحات القادة التي أوحت بانتهاء انقسام تموز عام 2007 عندما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة . ولعل الحديث عن تفعيل "الاطار القيادي" لمنظمة التحرير الفلسطنينية، أو لجنة تفعيل منظمة التحرير، وموافقة حماس على دولة فلسطينية في حدود 1967 أخذ الجميع على حين غرة، عندما أُوّلت الخطوة وكأنها موافقة من حركتي حماس والجهاد الاسلامي على دخول منظمة التحرير الفلسطينية. وخلال ساعات كانت وسائل الاعلام تتناقل تصريحات على لسان عزام الاحمد، رئيس وفد حركة فتح للحوار، وعلى لسان أكثر من مسؤول في حركة حماس لاسيما محمود الزهار، تنفي موافقة الحركتين على دخول منظمة التحرير. ولأن النقلة مهمّة، فقد طغت التأويلات الأولى على النفي التالي، وفهمت الخطوة على انها اختراق كبير للجمود الذي لف الحالة الفلسطينية خلال الاعوام الخمسة الاخيرة، وان عقبات التوصل أمام مصالحة حقيقية، قد ذللت. لم يكن الامر، وفق ما أوضح الاحمد ونظراؤه في حماس، سوى إعادة التأكيد على ما تم التوافق عليه في اتفاق القاهرة عام 2005، وهو اتفاق لم ير النور، تبعه اتفاق مكة الذي لم يكن حبر ورقه قد جف، حتى انتهت الأمور إلى تكريس شرخ غير مسبوق من خلال الاقتتال الداخلي في غزة، وتتويجه بسيطرة حماس على قطاع غزّه عام 2007. الحاجة والاختراع لكن، كيف يمكن للقاء يجمع الرئيس محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، وتتبعه جولات نقاش وحوار لكل من حركتي فتح وحماس ومعهما زملاؤهما في الحركات والفصائل الاخيرة، وينعقد في ظروف اقليمية غاية في الأهمية، وتعطي نتائجه زخما جديدا وقويا، أن لا يكون قد انجز جديدا على طريق المصالحة المنشودة. تكمن الاجابة الاولية المباشرة على هذا التساؤل في قائمة "النتائج" التي تمخضت عنها جلسات حوار القاهرة الاخيرة، وهي تتضمن بنودا مهمة تتعلق باعادة تشكيل لجنة الانتخابات المركزية، و تفعيل منظمة التحرير، والمعتقلين، واصدار جوازات السفر، اضافة الى اخرى تتناول ما اصطلح علية بالمصالحة المجتمعية الخاصة بحالات القتل الناجمة عن مواجهات حماس وفتح اواخر 2007 و حتى صيف 2008. وهي نتائج طالما تم بحثها والحديث عنها في جلسات وحوارات سابقة على مدى الاعوام الاخيرة، لكن دون ترجمتها الى حقائق ملموسة على أرض الواقع. بيد ان القائمة، تخلو من عناصر جوهرية، لاسيما مسألتي الأمن (في كل من الضفة وغزة) و البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي يمثل بلا شك أساس أي اتفاق بين الحركات والفصائل الوطنية المنضوية تحت لواء المنظمة، وبين حركتي حماس والجهاد الاسلامي الواقفتين على بابها في الانتظار. وتضاف على ذلك، وبأهمية لا تقل شأنا، الظروف السياسية المستجدة في المنطقة، ومن أهمها وصول طلائع الحركات الاسلامية التي راحت تتبوأ سدة الحكم في كل من تونس ومصر، وتوقعات وصولها ايضا الى كل من ليبيا وسنياريوهات ممماثلة للأزمة في سوريا، حيث يتصدر الاخوان المسلمون التوقعات. تبدو هذه المتغيرات، للوهلة الأولى، وكأنها قد رسمت صورة الوضع الفلسطيني المستقبلي، مع الاشارة الى التراجع الشديد وتدهور خيار مفاوضات التسوية مع اسرائيل، ما يمكن ان يؤثر على مستقبل حل الدولتين، فلسطين واسرائيل. إن الحاجة الى اختراع قرب انجاز المصالحة الفلسطينية، على ما يبدو، يخفي كثيرا مما لم تش به لقاءات القاهرة الاخيرة، وهو ما يتعلق اساسا بعناصر المتغيرات السياسية في المنطقة، وتراجع خيار حل الدولتين. ولا عجب ان يخرج قيادي من عيار الزهار في حركة حماس بتصريحات أدلى بها الى صحيفة "الشرق الاوسط" المصرية ليقول: "إن التيار الإسلامي الواعي الملتزم أصبح يقود المنطقة في العديد من الدول العربية التي تجري بها تحولات سياسية، متوقعا "ستة أشهر إلى سنة، لرؤية جغرافية سياسية مختلفة عن الجغرافية السابقة". في الانتظار هكذا هي اذن الحكاية، تريد حركة حماس من "اختراع المصالحة شراء الوقت الكافي حتى تنجلي نتائج نجاحات الإخوان المسلمين وحلفائهم في المنطقة، قبل ان تقضي أمرا كان مفعولا بالمصالحة الفلسطينية، أو تقرر وجهة جديدة. وعليه، لم يكن من الضروري أن تجيب لقاءات القاهرة الاخيرة على مسألة البرنامج الفلسطيني السياسي، لأنه لا يمكن ايضا للحركة الوطنية أن تتخلى عن برنامجها، برنامج منظمة التحرير الفلسطينية القائم على اقامة دولة علمانية على حدود عام 1967، وهو البرنامج الذي لا يعقل أن توافق عليه حركة حماس، ذراع الاخوان المسلمين في فلسطين. وحسب مقرببن من حوارات المصالحة، فان الرئيس عباس اوضح لمشعل خلال لقائهما الاخير بالقاهرة انه على اي حركة تريد دخول اطار منظمة التحرير، أن تعترف ببرنامجها وبالاتفاقات التي تعقدها، الدولية منها، وتلك بشكل خاص مع اسرائيل. ربما كان ذلك أحد الاسباب التي غيبت بند البرنامج السياسي عن قائمة لقاء القاهرة الاخير، ولكن ماذا ينتظر عباس وحركة فتح من مثل هكذا اتفاق تصالحي مع حماس، وهو الذي لا يسعه الانتظار، حيث الوقت والاسلاميون يداهمون مشروع التسوية مع اسرائيل. يؤكد مقربون من عباس، انه ليس بوسعه الان سوى استخدام ورقة المصالحة في وجه كل الذين يقفون عثرة في طريقه نحو الدولة الفلسطينية المستقلة، أوّلا الاميركيون الذين انشغلوا عنه الان في انتخاباتهم، ولم ينفعوه أصلا، واسرائيل، التي خربت عليه المفاوضات وخيار التوجه للامم المتحدة، وحماس ألتي خربت عليه في الانقسام والسيطرة على غزة، وهكذا تستمر الحكاية الفلسطينية. المصدر: سويس انفو