أخيراً وبعد ما يزيد عن شهر على إجراء الانتخابات العراقية صدرت النتائج النهائية، الأمر الذي يتيح لنا قراءة بعض دلالاتها وما سيتبعها من مشاورات بشأن تشكيل الحكومة العراقية التي لا يتوقع أن تتشكل سريعاً، حيث ستخوض الكتل الكبيرة مشاورات ماراثونية من أجل توزيع الكعكة، وبالطبع بعد أن يحسم الائتلاف الشيعي الموحد موقفه بشأن الشخص الذي سيتبوأ منصب رئيس الوزراء، إضافة إلى تأثير ذلك كله على المسار السياسي ومستقبل المقاومة. بداية يمكن القول إن محاولات جبهة "مرام" وهو التجمع الرافض لنتائج الانتخابات، والذي تصدرته جبهة التوافق وكتلة إياد علاوي، الرامية إلى إعادة الاقتراع في بعض المحافظات أو إعادة النظر في بعض النتائج قد باءت بالفشل، والنتيجة هي تثبيت الفوز الكبير الذي حصل عليه الائتلاف الشيعي. والحال أن عدم انحياز المراقبين الدوليين لاعتراضات المعترضين لم يأت إلا بسبب دقة عمليات التزوير التي رتبها الائتلاف الشيعي بدعم وتأييد من الإيرانيين الذين أدركوا نوايا زلماي خليل زاد لتهميش جماعتهم. نقول ذلك لأن النتائج المتاحة لا يمكن أن تتوفر من دون تزوير، أما الدليل فيمكن الوصول إليه عبر المقارنة مع نتائج الانتخابات الماضية التي غاب عنها العرب السنة وكانت نتيجتها حصول الائتلاف على 140 مقعداً من أصل 275 إلى جانب 75 للتحالف الكردستاني و40 لكتلة إياد علاوي. هكذا نستنتج أن رقم الائتلاف لم يهبط سوى بنسبة 8،5 في المائة، من 140 إلى 128، فيما هبط رقم الأكراد بنسبة 23 في المائة من 75 إلى 58 (53 للتحالف و5 للاتحاد الإسلامي)، أما علاوي فقط هبط رقمه بنسبة 38 في المائة من 40 إلى 25. حدث ذلك على رغم فشل الائتلاف في إدارة الحكومة المؤقتة، وعلى رغم انحياز توزيع المقاعد إلى الأكراد، وعلى رغم اتساع قاعدة التحالف الذي أنشأه علاوي، ما يعني أن فرص الطرفين الثاني والثالث كان ينبغي أن تكون أفضل، قياساً بالائتلاف الشيعي. صحيح أن الائتلاف قد حقق إضافة مهمة من خلال التيار الصدري، لكن ذلك على أهميته لا يفسر هذه النتيجة الكبيرة قياساً بنتيجة الانتخابات الماضية، لاسيما وأن السيستاني قد انحاز بالكامل للائتلاف خلالها، فيما لم يدع التيار الصدري إلى المقاطعة، بل شارك في الانتخابات، وإن بطريقة ملتوية من خلال بعض رموزه الذين شاركوا على لائحة الائتلاف. مع ذلك يمكن القول إن الائتلاف الموحد إلى جانب كتلة " رساليون" التي حصلت على مقعدين قد حصدوا 47 في المائة من مجموع المقاعد، وإذا أضفنا حوالي نصف مقاعد علاوي كحسبة طائفية لصالح الشيعة (حصلت لائحته على 25 مقعداً)، فإن النسبة لن تتجاوز 52 في المائة، فيما ستكون حصة الأكراد، ربما إلى جانب مقعد أو مقعدين لكرديين على لائحة علاوي 22 في المائة. أما العرب السنة فإن حصتهم المتاحة هي 44 للتوافق و11 لكتلة صالح المطلق و3 لمشعان الجبوري، ومقعد للألوسي، أي 59 مقعداً (21 في المائة) قبل احتساب الفائزين على لائحة علاوي، وحيث ترتفع النسبة إلى حدود الربع، 25 في المائة. حين نتذكر هضم حق محافظات العرب السنة قبل الانتخابات من خلال توزيع المقاعد، وفي ضوء التزوير الواسع الذي مارسه الائتلاف الشيعي بسبب سيطرته على العملية الانتخابية، فإن نسبة العرب السنة لن تقل بحال عن 30 في المائة من المقاعد. لعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هو أين هذه الأرقام من هوس ال65 في المائة الذي اجتاح الوكالات وأجهزة الإعلام كرقم محسوم للشيعة في العراق، وحيث كان المتواضعون من رموز الشيعة يهبطون بالرقم إلى 60 في المائة من أجل الوحدة الوطنية؟! ولعلنا نشير هنا إلى أن الحسبة المذهبية قد تدفع السنة إلى حدود النصف، لأن أكثر من تسعين في المائة من الأكراد سنة، وكذلك حال التركمان الذين لم يحصلوا سوى على مقعد واحد رغم أحقيتهم بأكثر من ذلك لولا تشتت أصواتهم على لوائح لم تبلغ نسبة الحسم. هذه الأرقام لا ينبغي أن تدفع نحو مزيد من التخندق المذهبي، بل إلى القناعة بان مسار الوحدة هو المتاح بالنسبة للعراقيين وليس التفتيت الذي يبشر به عبد العزيز الحكيم؟ نأتي إلى تشكيلة الحكومة المقبلة، وهنا نشير إلى أن روحية المواقف السياسية لقادة الائتلاف ما زالت تشير إلى أنهم لن يمنحوا العرب السنة أكثر من ست حقائب وزارية معظمها هامشي، باستثناء وزارة سيادية واحدة من المستبعد أن تكون الداخلية، فيما يتوقع أن تكون الدفاع التي يشغلها في الحكومة الحالية عربي سني هو سعدون الدليمي. لا شك أن نتيجة المفاوضات ستعتمد على وحدة الجبهة العربية السنية، الأمر الذي لا يبدو متوفراً إلى الآن على الأقل، ما يعني إمكانية اللعب على تناقضاتها بشكل من الأشكال. في كل الأحوال يبدو أن المعادلة لن تتغير، إذ ستبقى المقاومة هي ملاذ العرب السنة في ظل معادلة التهميش التي ستتواصل، وإن على نحو أقل وضوحاً. تبقى الأسئلة التالية المتعلقة بمواقف البرلمان من تعديل الدستور، تحديداً بند الفيدرالية، فضلاً عن جدولة انسحاب القوات الأجنبية، وفي هذا السياق يمكن القول إن تحالف الائتلاف مع الأكراد سيظل الأقوى، لكن وفاء التيار الصدري بوعوده سيخلق كتلة مهمة تتبنى خطاباً مختلفاً ربما تصل إلى أكثر من 120 نائباً لكنها لن تحصد الغالبية لتغيير الدستور، فضلاً عن تبني قرار بجدولة انسحاب القوات الأمريكية. الأزمة ستتواصل إذن وستبقى المقاومة خياراً مهماً لفريق من العراقيين، فيما ستتبدى قدرة ممثليهم السياسيين الحقيقية على تخفيف عبء احتضانها عليهم، فضلاً عن تبني مطالبهم الآنية الملحة، وعلى رأسها الإفراج عن المعتقلين. المصدر: الاسلام اليوم