هنيئا للشعب التركي عرسه الديمقراطي الرائع.. وهنيئا لحزب العدالة والتنمية استمرار ثقة شعبه وتلاحمه معه في ملحمة ديمقراطية تستحق التقدير والإعجاب والتأمل!! شخصيا سعيد بهذا التقدم الذي يحققه حزب العدالة والتنمية من وقت لآخر في تركيا.. سعيد لانجازات شعب تركي مسلم شقيق ودولته.. وسعيد – ربما أكثر من أي شخص آخر- لعكس الأسباب التي يبرر بها الإسلاميون العرب سعادتهم العامرة بفوز العدالة والتنمية التركي – تستطيع أن ترصد هذه الفرحة العارمة التي تجتاح صفحات وحسابات الإسلاميين شبابا وكهولا وشيوخا على صفحات التواصل الاجتماعي، وترصدها كذلك في رسالة التهنئة العاجلة التي أرسلت بها جماعة الإخوان المسلمين للحزب- فالإسلاميون العرب فرحون بفوز أردوغان لاعتبارات كثيرة منها: 1 – الاعتقاد السائد بالخلفية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية 2 - مواقف أردوغان المؤيدة والداعمة لشرعية نظام الرئيس مرسي بمصر. 3 – رهانات الأنظمة المستبدة وأغلبية الإعلاميين العرب المحسوبين عليها على خسارة الحزب الداعم لثورات الربيع العربي والمؤيد للحق الفلسطيني والداعم لحق الشعب السوري في تقرير مصيره دون وصاية.. والحقيقة أن نجاح حزب العدالة والتنمية التركي بزعامة اردوغان يحمل في طياته أسباب فشل مشروع الإسلاميين العرب وانتهاءه نهاية دراماتيكية –أظنه إلى غير رجعة- فنفس عوامل نجاح العدالة والتنمية في تركيا هي عوامل فشل مشروع الإسلام السياسي في العالم العربي.. أو على وجه الدقة تجاهل عوامل نجاح العدالة والتنمية وتجاهل القراءة الصحيحة لمشروع ادروغان هي الأسباب الحقيقية لانتهاء مشروع الإسلاميين العرب وانقضاء مدة صلاحية طرحه ووجوب البحث عن منتج جديد يواكب واقع الحياة العصرية.. فمن أهم عوامل نجاح العدالة والتنمية التركي: - حزب سياسي بلا جماعة جماعة دعوية.. إنه لم يفصل السياسي الحزبي التنافسي عن الدعوي والأخلاقي والقيمي.. بل إنه ترجم القيم الأصيلة والأساسية للإسلام كالحرية وحقوق الإنسان وغيرها من القيم إلى مشروع سياسي دون الحاجة إلى تبرير جناح دعوي يستند في كل مرة إلى نصوص شرعية.. فتخلص حزب العدالة والتنمية من فكرة وصاية الجماعة الدعوية – لاحظ المقاربة بينها وبين فكرة ولاية الفقيه في الحكم الديني الثيوقراطي لدى الشيعة في دولة ايران- وهو ذات العائق الذي ما زال يعيق تقدم الإسلاميين العرب في السياسة المعاصرة. -التزام التخصص الدقيق في مواجهة التنظيم الشمولي الذي بشر به الإسلاميون العرب منذ دعا إليه الشيخ حسن البنا إلى تاريخه.. تخلصت تركيا من هذه العقدة المزمنة والحساسية المفرطة لدى الإسلاميين العرب.. فشمولية الإسلام وصلاحية شرائعه وأحكامه لكل زمان ومكان لا تعني بالضرورة حتمية شمولية التنظيم الداعي للإسلام.. - أسس حزب العدالة والتنمية مشروعا تركيا وطنيا لم ينادي فيه بفكرة الخلافة ولم يبشر بها، ولم ينادي بذوبان الأمة التركية في المة العربية مثلا، أو غيرها من الأمم الإسلامية.. على العكس من ذلك يطرح اردوغان مشروع وطني تركي بامتياز، ويطرح مساندته لدول الجوار المسلمة باعتباره دور وطني اقليمي توسعي يحمي المن الوطني التركي من ناحية ويوسع دورها النهضوي والسياسي والاقتصادي من ناحية أخرى.. فإن كان من تلويح أو إشارة ما إلى الجذور الثمانية لأفكار الحزب – العثمانيون الجدد- فهو يطرحها بمنطق توسعي يضيف لدولته ويجعل لها السيادة الهيمنة.ز لا يطرح فكرة الخلافة بمعنى قبول فكرة أن يهيمن على المشروع الوطني القُطري جاري المسلم من دولة أخرى شقيقة.. كما يطرح هذه الفكرة الإسلاميون العرب- راجع أزمة الطز لدى المرشد العام السابق لجماعة الاخوان المسلمين- - علاقة حزب العدالة والتنمية بالغرب والولايات المتحدةالأمريكية وتقديمها مشروعها الوطني دون إيجاد مساحة كبيرة من التصادم والعداء مع المشروعات الغربية.. الأمر الذي لا يمكن أن يتصوره فضلا عن أن يتبناه مشروع الإسلاميين العرب الذي يبشر بالخصومة والمواجهة مع الغرب الاستعماري الامبريالي الداعم لدولة الكيان الصهيوني والمتحكم فيه العصابات الصهيونية.. في حين أن تركيا التي تواجه المشروع الصهيوني على أصعدة متعددة لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الكيان! - المرونة الشديدة التي يتعامل بها أردوغان وحزبه مع متغيرات السياسة التركية والإقليمية والدولية- في الأساس قدم أردوغان نفسه كبديل أو احتياطي لأستاذه نجم الدين اربيكان –رحمه الله- في أعقاب الانقلاب الذي قامت به المؤسسة العسكرية بدعم الأحزاب العلمانية التركية للإطاحة بأربيكان من رئاسة الحكومة والزج به في السجن وحظر ممارسته للعمل السياسي عدة سنوات.. العجيب في الأمر أن رجب طيب اردوغان السياسي البرجماتي التركي صاحب المبادئ الأصيلة التي لا تعيق دينامكية حركته ومناورته السياسية وصاحب براءة اختراع شارة رابعة .. لم ينزل لا هو ولا اتباعه ولا محبيه إلى ساحات وميادين تركيا للاحتجاج أو الصدام مع العسكر والدولة.. ولكنه عمل من تحت عباءة ذات النظام مؤسسا حزبه الجديد ومشروعه الوطني! - كل هذا العوامل وغيرها جعلت درجة الوضوح والشفافية والمصداقية بين الحزب والشعب التركي غير محل خلاف.. لا أفكار غامضة، لا مستقبل ملتبس، لا تلويح بفكرة البيعة ولا تبشير بمشروع خلافة غامض.. مشروع وطني واضح المعالم تصفير الخلافات الخارجية وعلاج مشكلات الاقتصاد الوطني والانضمام إلى الاتحاد الأوربي بلا شعارات الإسلام هو الحل، ولا نحمل الخير لمصر خيرا مبهما لا تفصيل فيه، ولا مشروع نهضة فنكوشي المعالم والخطوات.. اردوغان نجح وحزبه على خلفية غير خلفية مشروع الإسلاميين العرب.. فغما أن تفرحوا لنجاحه بعوامل وقيم هذا المشروع وتستلهموا منه الخطوط الرئيسة مع احترام الاختلافات البيئية التي يفرزها المجتمع الوطني لكل دولة.. وإلا فلتعتبروا مشروع اردوغان العلماني هو الذي نجح.. وأحيلكم إلى رؤية اردوغان نفسه لعلاقة العلمانية بالإسلام، يقول: " وأوضح أن العلمانية التي يتحدث عنها ليست ضد الدين، وأنه يقصد العلمانية التي تضع أصحاب الديانات والمعتقدات المختلفة داخل البلد الواحد على مسافة واحدة دون تمييز بين مسلم أو مسيحي أو يهودي أو ملحد، بحسب ما أوردت صحيفة "تودايز زمان" التركية. وتابع يقول إن الأفراد لا يمكن أن يكونوا علمانيين وإنما الدول، مشيرًا إلى أنه بينما يحكم رجل مسلم دولة ما، فإنه يقف على مسافةٍ متساويةٍ بين جميع الأديان مسيحيين ويهوداً ومسلمين وغيرهم، مؤكدًا أن وجهة نظره حول العلمانية لا تتعارض مطلقًا مع الإسلام، وأن العلمانية التي يتحدث عنها تختلف عن النموذج الغربي للعلمانية. وأشار أردوغان إلى أن الشعب التركي الذي منحه 50% من الأصوات يعلم جيدًا ما الذي يعتقده بشأن هذه القضية، معتبرًا أن الدول العربية التي نجحت في ثوراتها ستدخل في نقاش كبير لفهم العلمانية اليوم." مفكرة الإسلام السبت 17 سبتمبر 2011 – وهذا رابط التصريح http://islammemo.cc/akhbar/arab/2011/09/17/134055.html#1 كما أورد ذات الرابط الهجوم الحاد الذي شنه عليه عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة بمصر ومحمود غزلان القيادي بجماعة الإخوان.. إن الطرح الذي يطرحه مشروع اردوغان وحزب العدالة والتنمية هو ذات الطرح الذي رفضه بشدة عام 2006الراحل جمعة أمين عضو مكتب إرشاد الاخوان والقيم على فكر حسن البنا من خلال شرح رسالة التعاليم شرحا شبه رسميا تتبناه الجماعة من خلال نشرها على موقع اخوان اون لاين حتى ما قبل تطوير الموقع مؤخرا. حيث اعتبر مشروع حزب العدالة والتنمية مشروعا علمانيا يعترف بدولة الكيان الصهيوني ويقيم علاقات دبلوماسية معها، محذرا من انخداع شباب الجماعة من اظهار الفرح بفوز الحزب في الانتخابات التركية وقتها، ومعلنا أن مشروع الاسلاميين العرب مشروع شمولي يختلف اختلافا بينا عن مشروع اردوغان. فيما وصفه حينها أستاذي وصديقي المفكر هشام الحمامي بمشروع العلمانية الجزئية..الذي يقبله فكر المفكر عبد الوهاب المسيري. أيها الاسلاميون العرب غما أن تفرحوا وتهللوا لمشروع حزب العدالة والتنمية بأركانه وخطواته وتتخلوا عن مشروع التنظيم الشمولي الذي لا مكان فيه لتخصص ولا احترام لأسس الدولة القطرية المدنية الحديثة، ولا للعمل المؤسساتي بضوابطه التي يعرفها ويمارسها عالم اليوم.. وإلا فلتحزنوا لأن المشروع الذي فاز في تركيا مشروعا لا يمثلكم ولا يعبر عنكم .. اما نحن فسعداء بفوز المشروع الذي بشرنا به منذ أكثر من عقد من الزمان عبر دعوات متكررة لفصل الدعوي عن السياسي وادخال العمل المؤسسي وقيام مؤسسات المجتمع الأهل.. فإذا سألتم من نحن وعما نعبر.. فلتعتبرونا الاصلاحيون الجدد في الوطن العربي ربما على غرار مشروع اردوغان والعدالة والتنمية التركي..