"مقتل السادات أضاع الدعوة ولم يأت بالدولة".. هذه المقولة لم تأت من إسلامي عادي وإنما من خبير صقله تراكم خبرات كثيرة جدا وهو الدكتور ناجح ابراهيم القيادي في الجماعة الإسلامية. المراجعة ضرورية جدا في كل وقت لتصويب الاعوجاج والأخطاء، فكلنا بشر وعرضة للأخطاء، ولا ينبغي الاغترار وركوب الرأس. مثلا يشيد كثيرون – وأنا منهم – بتجربة رجب طيب أردوغان وحزبه في تركيا وما يحققونه بدون رفع شعار الحكم الإسلامي، آخرها طرح قانون للاستفتاء العام يلغي امتيازات الجيش والمحكمة العليا كحارسين للعلمانية يتدخلان في الوقت المناسب لكسر ظهر من يتجرأ عليها، وقد فعلوا ذلك مع نجم الدين أربكان في التسعينيات، ومع أردوغان نفسه قبل أن يصل إلى الحكم. تمرير هذا القانون سيكون بمثابة إنقلاب تاريخي عير مسبوق على تركيا أتاتورك والعلمانية، ولو جاء تحت لافتة "الإسلام" لأغتيل في مهده، ولسجن العسكر الواقفين وراءه ومنعوهم من ممارسة الحقوق السياسية، لكن حصافة حزب العدالة الحاكم أنه تقدم به تحت لافتة دعم الممارسة الديمقراطية، وهو حق تسعى له شعوب الدنيا. حزب العدالة الذي يفعل ذلك ويحقق نجاحات كبيرة إقتصاديا وسياسيا وإسلاميا أيضا داخل تركيا وخارجها، هو نفسه الذي لم يعارض افتتاح فندق للعراة الأجانب من دول أوروبا منذ أيام قليلة، تم اغلاقه لعيوب هندسية فقط ليعاد افتتاحه بعد إصلاحها يوم الأربعاء القادم كما قال مالكه لوكالات الأنباء! هذا لا يعني موافقتنا على ذلك واتخاذه نموذجا وإنما فقط للتأكيد على ما دعا إليه الدكتور ناجح ابراهيم في مقابلته التي نشرت "المصريون" مقتطفات منها أمس، وملخصها بأن على الحركة الإسلامية المصرية أن تتخلى عن الرغبة في الوصول إلى السلطة أو المنافسة السياسية مع الأنظمة الحاكمة، فهي لم تحقق ذلك طوال الثمانين عاما الماضية، ولن تصل إليه في القريب العاجل، لا عن طريق الصدام العسكري الساخن، ولا عن طريق الانتخابات، وحتى في حال وصولها إلى الحكم فستجبر على تركه أو تحاصر بشتى السبل. وشرحا مني لهذه النقطة أعيد القارئ إلى ما حدث مع جبهة الانقاذ في الجزائر عندما وصلت إلى الحكم، وحركة حماس في فلسطين، وهو الأمر الذي لم ولن يحدث مع حزب العدالة والتنمية الذي يصر البعض في العالم العربي على وصفه بالاسلامي، بينما ينفي القائمون عليه ذلك قولا وعملا. لن أطيل عليكم في هذه النقطة كثيرا. ما أريد لفت النظر إليه هو الاستفادة من الأخطاء ومن التجارب حتى لا نقضي 80 عاما أخرى محلك سر، تستنزف من الوطن والإسلام الكثير، أو كما قال الدكتور ناجح ابراهيم "تقلص حجم الموجود من شريعة الإسلام، وزاد حجم المفقود منها". هذا يعني أننا يجب أن نتمسك بمكتسبات في دستورنا يسعى إليها حاليا حزب العدالة عبر تخليص الدستور التركي من الواجهة العلمانية التي وضعها الانقلابيون العسكريون منذ نحو 30 عاما، فالمادة الثانية الحالية من الدستور المصري قد لا تتكرر في أي دستور جديد، وهي للعلم ذات درجة أقل بكثير في الدستور الكويتي الذي ينص على إن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع وليست "الرئيسة" كما الحال عندنا. لقد كان السادات ماهرا وذكيا في تحقيق ذلك الانجاز، وكان مبارك أمينا في حفاظه عليها ورفضه الاقتراب منها رغم كل الضغوط الأمريكية والأوروبية التي تمارس عليه سواء مباشرة أو بالوكالة عن طريق بعض المصريين. وفي الوقت نفسه يجب أن نخلص النظام السياسي من فزاعاته المتمثلة في إثارته "الفوبيا الإسلامية" في وجه الغرب عندما تثار القيود الكثيرة التي يضعها على الممارسة الديمقراطية، ومضايقة الناشطين الاصلاحيين. وفي رأيي أن جماعة الإخوان المسلمين معنية أكثر من غيرها بقراءة هذا الواقع، فهي وحدها في مصر التي تمثل الحركة الإسلامية الساعية للسلطة مهما قيل خلاف ذلك، ولو تخلت عن اللافتة والشعار وحتى الإسم لحققت لمصر الكثير سياسيا وإصلاحيا وإسلاميا. تجربة عضو البرلمان الإخواني المستقل أثبتت فشلها حتى الآن.. 80 مقعدا في مجلس الشعب رقم هائل لكن الانجاز لا يتجاوز الكلمات وطلبات الاحاطة والمعارك الكلامية مع نواب الحزب الحاكم داخل الجلسات والانسحاب أحيانا. السبب ليس فيهم وإنما في المدلول المختزن عند الآخرين عن اللافتة التي يجلسون تحتها، فمن السهل أن يجد النظام الفخ الذي يصطادهم به، كأن يقال إنهم رجعيون ظلاميون ساعون إلى الدولة الدينية وتقويض الدولة المدنية. وعندما رفضت الدولة اعتماد نظام القوائم الانتخابية التي لابد أن تكون من خلال أحزاب رسمية معترف بها، اعتقد البعض أن ذلك إنتصار للديمقراطية، مع أني أجدها إنتصارا ضد لافتة الإخوان ومكر من الدولة في الابقاء عليها، حتى لا تضطرهم إلى الدخول في لافتة أحزاب ليترشحوا عبر قوائمها فنجد أحزابا تبرز بعدد هائل من المقاعد. لنتوقع القيمة السياسية العالمية لحزب كالوفد والشعبية التي سيحصدها في الداخل إذا حشد في قوائمه أعضاء ينتمون للاخوان نفسيا وحصدوا 80 مقعدا أو أكثر وتحدثوا باسم طروحاته التي من المفروض أنها ليبرالية ديمقراطية وليست دينية. الأحزاب الحالية ومنها الوفد لا تستطيع ترشيح عدد معقول في الانتخابات البرلمانية القادمة بسبب العوز المالي، ولو اتجهت جماعة الاخوان إلى العمل الدعوي فقط ووجهت طاقاتها البشرية والتنظيمية والمالية لدعم أحزاب قائمة والترشح من خلالها للانتخابات فربما نجد حزب عدالة آخر في مصر وأردوغان آخر. الحزب الوطني نفسه طبق الفكرة حرفيا عندما حصل على أصوات ضئيلة في انتخابات مجلس الشعب قبل الماضية وضاعت منه الأغلبية لصالح المستقلين الذين كانوا ينتمون قبلا إلى فكره، فقد لجأ إليهم وضمهم إليه لتعود له تلك الأغلبية. [email protected]