يبدو أن نظام الأسد لم يستفد شيئا من درس العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، حيث رجح كثيرون أنه لجأ مجددا لفزاعة القاعدة لكسب مزيد من الوقت وإفشال مهمة بعثة المراقبين العرب قبل أن تبدأ. ففي تعليقها على الانفجارين اللذين استهدفا مبنى للمخابرات العامة وآخر للقيادة الأمنية في دمشق وأسفرا عن مقتل وإصابة العشرات، ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن هذا التطور عزز الشكوك حول قدرة فريق المراقبة التابع لجامعة الدول العربية الذى وصل إلى دمشق على وقف مجازر نظام الأسد. وأضافت الصحيفة أن نظام الأسد أنحى باللائمة على تنظيم القاعدة وهو زعم شككت فيه المعارضة السورية والحكومات ووكالات المخابرات فى الغرب على حد سواء، قائلة :" بغض النظر عن الذى نفذ هذه الهجمات، غير أنها مثلت نهاية لأسبوع هو بالفعل الأكثر دموية منذ بداية الانتفاضة ضد الأسد في مارس الماضي، وفى نفس الوقت مثلت هذه الهجمات لطمة على وجه المراقبين من جامعة الدول العربية الذين بدأوا الوصول إلى دمشق للضغط على السلطات السورية لوقف الهجمات على قوات المعارضة". وانتهت إلى القول:"إن الأسد وجه اللوم فى الانتفاضة على المتشددين والأجانب والعصابات المسلحة وبعد هجمات الجمعة الموافق 23 ديسمبر، سارعت الحكومة السورية إلى مصاحبة فريق المراقبة العربي زاعمة أن الهجمات تؤيد ما قالته مسبقا وهى أنها المسألة كلها مسألة فوضى لا انتفاضة شعبية". ولعل مسارعة السلطات السورية إلى اتهام القاعدة قبل إجراء تحقيق ترجح صحة ما ذهبت إليه صحيفة "واشنطن بوست" حول المسرحية الجديدة التي استقبل بها الأسد بعثة المراقبين العرب، حيث حمل التليفزيون الرسمي السوري تنظيم القاعدة المسئولية عن مقتل أكثر من أربعين شخصا، وإصابة أكثر من 150 آخرين بهجوم مزدوج على موقعين أمنيين بالعاصمة دمشق في 23 ديسمبر. وعلى الفور، اعتبر رئيس تيار المستقبل في لبنان النائب سعد الحريري أن كلام الخارجية السورية عن دخول عناصر من القاعدة إلى سوريا عبر لبنان "مفبرك" مع بعض أدواتها في لبنان،متوقعاً أن يكون انفجارا دمشق من صنع نظام الأسد، كما أعلن المجلس الوطني السوري المعارض. وكان المجلس الوطني السوري المعارض اتهم نظام الأسد بتدبير هجمات 23 ديسمبر، وقال المجلس في بيان له :"إن النظام السوري وحده يتحمل المسئولية المباشرة عن التفجيرين الإرهابيين مع أجهزته الأمنية الدموية التي أرادت أن توجه رسالة تحذير للمراقبين العرب بعدم الاقتراب من المقرات الأمنية وأخرى للعالم بأن النظام يواجه خطرا خارجيا وليس ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة". واضاف البيان " التفجيران اللذان حدثا في وقت متقارب تزامنا مع بدء وصول المراقبين العرب للكشف عن جرائم النظام وعمليات القتل التي يقوم بها بحق المدنيين والمتظاهرين السلميين في سوريا". بل وأشار المجلس الوطني إلى أن ضحايا التفجيرين من المعتقلين الذين نقلهم نظام الأسد إلى مقرات عسكرية محصنة قبل وصول بعثة المراقبين العرب ، موضحا أن النظام قام أيضا بتحذير الأطباء والعاملين في المشافي من الإدلاء بأي تصريحات للمراقبين العرب،ومحاولة إخفاء أي آثار تدل على حدوث عمليات قتل أو تعذيب أو مقابر جماعية. وتابع البيان " الشهداء الذين سقطوا يوم الجمعة الموافق 23 ديسمبر هم جزء من ثمن الحرية الذي يدفعه السوريون للتخلص من نظام الاستبداد والجريمة، وسيحاسب الذين ارتكبوا تلك الأعمال أمام العدالة، ولن يجدي النظام نفعا أي محاولة للتغطية على جرائمه". كما اتهم نظام الأسد بالتخطيط لارتكاب مزيد من عمليات التفجير في سوريا بهدف إشاعة أجواء من الرعب والفوضى، ومنع المراقبين العرب من الوصول إلى الحقائق التي باتت معروفة لدى الجميع". ولعل ردود الأفعال السعودية تدعم ما ذهب إليه المجلس الانتقالي وترجح أن مجازر الأسد لن تتوقف عند حد معين، فقد جددت وزارة الخارجية السعودية دعوتها لمواطنيها بمغادرة الأراضي السورية حماية لأرواحهم في ظل تفاقم الخطر هناك . ووصف وكيل وزارة الخارجية السعودية للعلاقات متعددة الأطراف الأمير تركي بن محمد في 24 ديسمبر الأوضاع في سوريا ب"الحرجة"، داعيا المواطنين السعوديين لأخذ الحيطة والحذر. وتابع أن قرار دعوة السعوديين إلى مغادرة سوريا جاء حماية لأرواحهم في ظل وجود أعداد كبيرة منهم هناك لأغراض العمل أو السياحة أو الدراسة، مشددا على أهمية التزام دمشق بالبرتوكول العربي الذي يأتي كجزء لا يتجزأ من المبادرة العربية الخاصة بحل الأزمة السورية. وفي السياق ذاته ، شككت صحيفة "الجزيرة" السعودية في إمكانية نجاح بعثة المراقبة العربية في وقف العنف في سوريا وحقن دماء المدنيين الأبرياء، ولو حتى من الناحية النظرية في ظل إصرار النظام السورى على القتل وسفك الدماء بأشكال وألوان متعددة. وقالت الصحيفة :"قبل أن يبدأ مراقبو جامعة الدول العربية مهمتهم في سوريا نفذ انتحاريان عملية إرهابية بتفجير سيارة مفخخة ضد أهداف أمنية في دمشق هي مقر أمن الدولة ومقر التوجيه السياسي، وكلاهما من المراكز الأمنية التي تحظى بحراسة مشددة ليس على مقارها بل في المنطقة المحيطة بها ما يطرح تساؤلات عن قدرة القاعدة التي اتهمت كالعادة في مثل هذه الأعمال الإرهابية، وهل الجهاز الأمني السوري مخترق". وأضافت "في ظل هذا التصعيد الأمني الخطير تصل بعثة المراقبين العرب التي يأمل أن تعمل على وقف انتهاكات القوات العسكرية والأجهزة الأمنية، وهي مهمة يرى أكثر المتابعين تفاؤلا أنها صعبة إن لم تكن مستحيلة"، مشيرة إلى اتساع رقعة العمليات وكثرة الاقتحامات التي تقوم بها القوات العسكرية ،مقابل قلة عدد المراقبين الذين لا يتجاوزون 150 فردا لا يمكنهم التحرك دون معرفة ومرافقة الأجهزة الأمنية السورية بحجة حمايتهم. وأعربت الصحيفة السعودية عن اعتقادها بأن النظام السوري وافق مرغما على توقيع بروتوكول وصول المراقبين إلى سوريا دون أن يقدم ضمانات بوقف العمليات العسكرية والعنف والقتل ضد المتظاهرين، وهذا بحد ذاته هدم للمبادرة العربية. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن وفد المراقبين العرب سيواجه الفشل تماما لأن نظام الأسد لن يسهل مهمته ووافق على البروتوكول فقط لكسب الوقت، ولذا لم يكن مستغربا أن يطلق عليه المحتجون السوريون " بروتوكول الموت".