حاول الكاتب البريطانى جون برادلى فى كتابه:(كيف اختطف الإسلاميون ثورات الشرق الأوسط؟) رسم صورة كئيبة لثورات العالم العربي، ورغم رصانة الكاتب إلا أن هذه الصورة التى رسمها تعوزها الدقة فى كثير من الملامح؛ فالإسلاميون ليسوا هم من اختطف الثورات العربية، بل يحاول العسكر والعلمانيون سرقتها واختطافها (عينى عينك) تساعدهم فى ذلك قوى إقليمية وعالمية كثيرة من مصلحتها إفشال هذه الثورات، أو على الأقل تحويل مسارها وتفريغها من مضمونها. لقد أحدث اندلاع الثورة الشعبية فى تونس ومصر، ونجاح الجماهير فى الإطاحة بنظاميهما القمعيين بهذه السرعة صدمة كبيرة، ومفاجأة مذهلة للساسة والخبراء وكافة المحللين، وعلى الفور جرى البحث فى كيفية لجم هذه الثورات وإيقاف مدها؛ كى لا تكون تدشينًا لعهد جديد من الحرية والعدالة والديمقراطية، ويتم الآن تشويه الربيع العربى عمدًا باستخدام ماكينة عملاقة من الصحف وأجهزة الإعلام والكتاب والصحفيين وأجهزة المخابرات ومراكز الأبحاث. واعتمادًا على خبرة هذا الجيش الجرار المباشرة بالأحداث، وبثقافات المنطقة العربية، وعادات شعوبها، وطبائع مجتمعاتها، يجرى بلبلة الجماهير، وتشتيت الرؤى، وإيقاع الفرقة وشق الصفوف، وزرع الخوف، وبث الرعب والهلع فى النفوس، وفى هذا السياق يتم تخويف الناس من الإسلاميين والزعم بأنهم قادمون لاكتساح كل شىء، وأنهم سيشكلون أنظمة سلطوية فاشية باطشة، ستجثم على صدورهم وتقمع حرياتهم باسم الدين!! والذى بدا مفاجئًا، وأزعج الغرب وامتداداته العلمانية فى عالمنا العربى أنه رغم التشويه الممنهج ضد الإسلاميين فى الصحف والفضائيات التى يسيطر عليها الليبراليون، ورغم سياسة تجفيف المنابع، ورغم ترسانة الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والندوات والمؤتمرات، وسيل الكتب والمقالات والدعايات المضللة التى تهاجم الإسلاميين بشدة وتصمهم بالتطرف والإرهاب والتخلف والرجعية، رغم كل ذلك إلا أن الجماهير العريضة اختارت الإسلاميين فى أول انتخابات حرة نزيهة! وفى الحقيقة لم يكن نجاح الإسلاميين فى الانتخابات راجعًا وحسب لما يتمتعون به من تنظيم قوى متماسك، وقدرتهم الفائقة على التواصل مع القواعد الشعبية، إضافة إلى إخلاصهم ونزاهتهم ونظافة أيديهم، وحرصهم على مصالح أوطانهم وشعوبهم، ووضوح رؤيتهم المستقبلية وأهدافهم، ومعرفتهم بالأساليب والوسائل التى يتم بها تحقيق تلك الأهداف، ولكن جور وفساد معظم أنظمة الحكم العربية واستبدادها وفساد واستعلاء جوقتها من الليبراليين والعلمانيين كل ذلك كان من أبرز أسباب صعود الإسلاميين. لقد مارس الديكتاتوريون العرب كل أشكال الظلم والقمع والاستبداد والقهر ضد شعوبهم وضد الإسلاميين منهم على وجه الخصوص، وكان مصيرهم الإبعاد والنفى والطرد والتشريد والتضييق والفصل التعسفى أو السجن والاعتقال، إضافة إلى إنكار وجودهم ووجود أحزابهم، وعدم الاعتراف بهم ومحاربة مؤسساتهم الخيرية وأعمالهم ومصانعهم، وتزوير الانتخابات ضدهم والمحاولات الدائبة لاجتثاث امتدادهم الشعبى المتجذر، كل ذلك جعل الجماهير العربية تتعاطف معهم باعتبارهم الضحية المغلوبة على أمرها، ورسخ فى العقل الجمعى العربى أن الإسلاميين أفضل من غيرهم وأقلهم فسادًا وأحرصهم على تحقيق مصالح البلاد والعباد؛ لأنهم أكثر خشية لله تعالى وأقل غرورًا وتكبرًا؛ ولذلك فقد ناصرت هذه الجماهير التيار الإسلامى واختارته وتشبثت به لأنه بالنسبة إليها المنقذ والبديل لمواجهة بطش الحكام وجبروت أنظمتهم القمعية الدموية وفسادهم ونهبهم المتواصل للمال العام. وربما كان صحيحًا أن الإسلاميين لم يفجروا الثورات فى البداية، لكنهم سارعوا بالانضمام إليها خاصة الإخوان المسلمين الذين انضموا لركب الثورة المصرية مبكرًا وبذلوا دماءهم وأرواحهم فى سبيل حمايتها والدفاع عنها، وقد شهد بذلك الجميع، وبالتالى فهم شركاء فى صنع الثورة وليسوا مختطفين لها!! [email protected]